السبت 8 أبريل 2023 – 13:02
يسجل شهر رمضان عودة كثير من المغاربة إلى متابعة القنوات العمومية ومشاهدة ما تقترحه عليهم من برامج ومسلسلات، لا سيما أثناء تناول وجبة الإفطار، بما تعنيه من اجتماع العائلة والأصدقاء في لحظة لا تخلو من حميمية ومفعمة بكثير من مشاعر الود وحرارة اللقاء.
وينتظر عموم المشاهدات والمشاهدين أن يتم تأثيث هذا الجمع الأسري بما يمتع ويفيد من برامج ترفيهية تساعدهم عل استرجاع نشاطهم وعافيتهم، بعد يوم من الصيام والنشاط المتواصل، لكن الملاحظ أن جل المشاهدين والمشاهدات سرعان ما يصيبهم الضجر، وتستبد بهم الخيبة جراء ما يعرض أمامهم من مشاهد وحوارات، ضمن ما يسمى بـ”الكوميديا”.
لست أدري لماذا تتكرر هذه المشاهد أمامنا بنفس الضحالة والتردي الفني باستمرار؟ هل هناك فعلا من يراهن على التتفيه بالإصرار على تقديم هذه التفاهة، وباسم فن الفكاهة، وعبر وجوه فنية معروفة، وغير معروفة، بعضها له مساهمات تشخيصية ناجحة ومحترمة؟ ولا أحد يدري لماذا يقبلون بكل هذا التراجع الفني في التمثيل والتشخيص؟ هل الأمر يتعلق بالحاجة إلى العمل والاشتغال؟ يصعب تقبل هذا التبرير، على الأقل، بالنسبة لبعض الوجوه المعروفة، هل الأمر يتعلق بغياب النصوص القابلة للتحويل إلى سيناريوهات ناجحة تحقق الإمتاع والإفادة معا؟ هل فعلا هذا كل ما لدينا أو هذا كل ما نريده ويريدونه لنا؟ وفي النهاية، ما الفائدة من إشاعة التفاهة؟ ألا تكفينا كل هذه التفاهات التي تحوطنا فكريا وسلوكيا؟
إن التطلع إلى مجتمع حداثي كما نحب ونزعم، يقتضي بالضرورة مستوى معتبرا من الوعي النظري والسلوكي، كما يقتضي بالضرورة امتلاك رؤية مقدرة ومحترمة لما تريده بلادنا ولما ينتظرها من أسئلة وتحديات، وينتظر من الفن التشخيصي، بكل ألوانه، “التراجيدية” و”الكوميدية” وغيرها، أن تنخرط بوعي في هذا المسار، الشيء الذي يبدو بعيدا، أو مستبعدا، بالنسبة لما تعرضه قنواتنا على مشاهديها في ما تسميه فنا للفكاهة، حتى أننا يمكن أن نتساءل ببساطة: هل فعلا يعرف صناع هذه الفقرات والبرامج فيم يفكر المواطن المغربي؟ وهل يهمهم أن يعرفوا ذلك؟ هل يمكن أن نضحك المشاهدين بمثل هذه العروض في وقت يقترب فيه أغلبهم من حافة الإفلاس جراء هذا الغلاء المخيف الذي يتهدد وجودهم؟
إن معرفة المخاطب شرط ضروري لنجاح الخطاب. بداهة، كان ينتظر من القائمين على القطب العمومي في بلادنا، في شقه المتعلق بالفرجة التشخيصية، بمعناها الفكاهي خاصة، أن يستثمروا لحظة رمضان، وعودة كثير من المشاهدين والمشاهدات إلى متابعة القنوات الوطنية، من أجل تدشين مصالحة حقيقية بين المواطنين والمواطنات وقنواتهم العمومية، لأنه في نهاية المطاف هذه هي قنواتهم التي تعنيهم، والتي يريدونها أن تكون لهم، وتخاطبهم، والتي يؤدون أتعابها من ضرائبهم، والتي يفترض أن ترضيهم وتساهم في الرقي بأذواقهم ومستوياتهم الفكرية والتدبيرية، بمختلف شرائحهم الاجتماعية، فلا معنى لإثارة نفس النقاشات والتذمر كل رمضان في وقت نتحدث فيه عن مجتمع معاصر، وديمقراطي، فأعمال العقلاء منزهة عن العبث.
المصدر: وكالات