سيكون الملزمون أفرادا وشركات على موعد مع تغيير إجرائي في مجال التحصيل الجبائي، سيجري تفعيله ابتداء من فاتح يناير المقبل، إذ سيكون التبليغ في مسطرة تصحيح أسس الضريبية سليما، حتى بطريقة إلكترونية، وستترتب عليه الآثار القانونية ذاتها الخاصة بالتبليغ بواسطة الوثيقة الورقية، حيث سيجري تبليغ كل ملزم في العنوان الإلكتروني الذي أدلى به للإدارة الجبائية، وفق الفقرة الثانية من المادة 219 من “المدونة العامة للضرائب 2025”.
جاء هذا الإجراء الجديد لتعزيز نجاعة التحصيل الجبائي، حيث لن يكون بإمكان الشركات والأفراد الآن الطعن في التبليغ عبر الوسائل الإلكترونية وتجاهل آثاره القانونية، علما أن الشركات كانت تدعي سابقا أن هذا التبليغ لا يحمل القيمة القانونية نفسها مثل التبليغ الورقي، وتستند إلى هذا الأساس للطعن في صحته، إذ سيتغير هذا الوضع ليصبحوا ملزمين بأداء المبالغ الضريبية المستحقة بذمتهم بناء على ملفات تسوية ضريبية أو مراجعات جبائية.
وألغى قانون المالية الجديد الإشارة إلى النص التنظيمي المنصوص عليه في المادة 145-10 من المدونة العامة للضرائب، الذي كان ينص على تحديد شروط استخدام عنوان إلكتروني، وتم تبرير هذا الإلغاء بوجود القانون رقم 43-20 المتعلق بخدمات الثقة بشأن معاملات الإلكترونية، ومرسومه التطبيقي رقم 2-22-687، اللذين ينظمان الآن شروط استخدام عنوان إلكتروني لدى مزود خدمة موثوق.
ومن المرجح أن الشركات والأفراد سيحتاجون إلى امتلاك عنوان إلكتروني لدى مزود خدمات موثوق، وفقا للقانون المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية، ومرسومه التطبيقي، ما سيوفر ضمانات حول موثوقية وأمان التبليغ الإلكتروني، خصوصا أن إلغاء الإشارة التنظيمية في المادة 145-10 لم يكن أمرا عابرا، إذ كان هذا النص يؤكد أن شروط استخدام عنوان إلكتروني يتم تحديدها عبر القوانين التنظيمية، قبل أن يلغي قانون المالية الجديد هذه الإشارة، ليحيل مباشرة إلى القانون رقم 43-20.
مزايا رقمنة وسائل التبليغ
يمثل التبليغ الضريبي الإلكتروني في المغرب خطوة هامة نحو التحول الرقمي في الإدارة الضريبية. ومع ذلك، يتطلب هذا النظام من دافعي الضرائب التأقلم مع الإجراءات الجديدة لضمان الامتثال وحماية بياناتهم الشخصية. ورغم التحديات التي قد تواجهها بعض الشركات أو الأفراد في الانتقال إلى هذا النظام، فإن الفوائد المحتملة من حيث الكفاءة والشفافية قد تساهم في تحسين النظام الضريبي بشكل عام، علما أنه يتم إرسال التبليغ عبر البريد الإلكتروني المعتمد، فيما يمكن أن يتضمن محتواه فحصا ضريبيا، وطلبات تسديد الضرائب، أو أي قرارات ضريبية أخرى، على أساس أن هذه التبليغات لها القوة القانونية نفسها التي للتبليغ التقليدي.
وأوضح عبد الرزاق الكوني، خبير محاسب مستشار في القوانين الضريبية، في تصريح لهسبريس، أن “الانتقال إلى التبليغ الضريبي الإلكتروني في المغرب يشكل خطوة استراتيجية نحو تعزيز كفاءة النظام الضريبي وتحقيق التحول الرقمي في الإدارة العامة، فيما هذه المبادرة تفتح آفاقا واسعة لتحسين فعالية الإجراءات الضريبية وتقليص التكاليف التشغيلية، بما في ذلك تكاليف الطباعة والبريد والمصاريف القضائية. كما تساهم في تسريع إجراءات إرسال التبليغات وتخفيض آجال الانتظار”، مؤكدا أنه من خلال الرقمنة، ستتمكن السلطات الضريبية من تحسين مستوى الشفافية والمساءلة، مما يتيح للمكلفين بالضريبة متابعة التبليغات ومعالجتها بشكل أسهل وأسرع، ويقلل من فرص الفساد أو التلاعب.
وأضاف الكوني أن “التبليغات الإلكترونية لن تقتصر فقط على تسريع الإجراءات، بل ستحسن أيضا أمان البيانات الشخصية عبر تقنيات متقدمة مثل التشفير وحماية البيانات، مما يعزز من مصداقية النظام الضريبي. كما أن الرقمنة تشجع على ثقافة الامتثال الضريبي، إذ يصبح من السهل على المكلفين متابعة مواعيد استحقاق الضرائب، ما يعزز من الاستقرار المالي ويزيد من تحصيل المداخيل الضريبية، الأمر الذي سينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني، من خلال خلق بيئة استثمارية أكثر جذبًا للقطاع الخاص، سواء المحلي أو الأجنبي”، مشددا على أنه رغم التحديات التي قد يواجهها بعض الملزمين في التكيف مع هذا النظام، إلا أن الفوائد الاقتصادية التي سيجلبها ستكون كبيرة، من حيث الكفاءة والأمان والشفافية، ما يساهم في خلق مناخ ضريبي أكثر استقرارا وموثوقية.
موثوقية وأمان التبليغات الإلكترونية
لتأمين موثوقية وأمان التبليغات الإلكترونية، سيكون من الضروري الاعتماد على مزودي خدمات موثوقين معتمدين من الدولة، الذين يلتزمون بالمتطلبات المنصوص عليها في القانون رقم 43-20 ومرسومه التطبيقي. ويضمن ذلك حماية البيانات الحساسة التي تتضمنها هذه التبليغات، مثل المعلومات المالية للملزمين، إذ يتعين لحماية هذه البيانات أن يتم تشفير جميع التبليغات عبر الوسائل الإلكترونية باستخدام تقنيات متقدمة، مثل التشفير من الطرف إلى الطرف، وضمان وصول المرسل إليه القانوني فقط، من خلال أنظمة تحقق قوي بما لا يفسح المجال لأي طعن في قانونية التبليغ.
وأكد محمد أمين أقسيم، خبير محاسب متخصص في المنازعات الضريبية، أن موثوقية وأمان التبليغات الإلكترونية تعد من العناصر الأساسية لتحقيق النجاح في التحول الرقمي للنظام الضريبي بالمغرب، موضحا أنه مع “تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في مختلف القطاعات، أصبح من الضروري أن تحاط البيانات الضريبية، خصوصا تلك التي تتعلق بالملزمين، بأعلى درجات الأمان والحماية. ولتحقيق ذلك، يشكل التزام الدولة بتحديد مزودي خدمات موثوقين ومعتمدين، وفقًا للقانون، خطوة مهمة لضمان حماية هذه البيانات وتحقيق الشفافية في التعاملات الضريبية”، مشددا على مسؤولية المزودين المعتمدين عن تنفيذ التوجيهات القانونية والتقنية التي تحمي بيانات المكلفين بالضرائب وتمنع الوصول غير المصرح به إلى هذه البيانات. وهذا يشمل الشركات التي تقدم خدمات المراسلات الإلكترونية، مثل البريد الإلكتروني المعتمد أو المنصات الرقمية الحكومية التي تستخدمها الإدارة الضريبية.
وأشار أقسيم إلى أنه “بجانب اختيار المزودين الموثوقين، تأتي أهمية تقنيات التشفير المتقدمة التي يجب استخدامها في التعامل مع التبليغات الإلكترونية. التشفير من الطرف إلى الطرف (Chiffrement De Bout en Bout) هو إحدى الأدوات الرئيسية لضمان أن التبليغ يصل إلى المرسل إليه بطريقة آمنة. هذه التقنية تضمن أن البيانات تظل مشفرة طوال عملية الإرسال، ولا يمكن لأي طرف آخر، حتى مزود الخدمة، الوصول إلى محتويات التبليغ. في ظل هذا التشفير، تظل المعلومات المالية الحساسة، مثل تفاصيل المبالغ الضريبية أو بيانات الحسابات البنكية، محمية ضد أي محاولات للاعتراض أو السرقة الإلكترونية”، مؤكدا أن أحد الأبعاد المهمة لهذا النظام هو التأكد من أن المرسل إليه القانوني فقط هو من يمكنه الوصول إلى التبليغ. من خلال استخدام أنظمة تحقق قوية، مثل المصادقة الثنائية أو الأنظمة الحيوية (البصمة أو التعرف على الوجه)، حيث يتم ضمان وصول التبليغ فقط إلى المستلم الصحيح.
المصدر: وكالات