قال الكاتب والصحافي محمد البريني إن كل أطياف النظام الجزائري كانوا يتبنون عقيدة العداء للمغرب، حيث كانوا يوجهون سياسة الدولة الجزائرية ويحرصون على أن تظل علاقاتها مع المغرب متوترة، لكنهم كانوا يتركون هذه المهمة للجناح السياسي في النظام، المتمثل في رئيس الجمهورية ووزير الخارجية والوزير الأول ورئيس البرلمان، إضافة إلى وسائل الإعلام التابعة لهم.
وفي سلسلة “حكام الجزائر: 60 عاما من الجحود والغدر والمؤامرات والاعتداءات ضد المغرب”، خصص البريني الحلقة العاشرة، التي عنونها بـ “القادم من الأخطار ربما هو الأسوأ”، لتسليط الضوء على مذكرات الجنرال خالد نزار، حين تحدث عن محاولات النظام الجزائري منع المغرب من بناء الجدار الأمني في الأقاليم الجنوبية، وإقراره بضلوع الجزائر في تسليح الجماعة الانفصالية، ومنح “البوليساريو” الذخيرة وباقي الإمكانات والحاجيات.
وتطرق البريني لمرحلة “مرض عبد العزيز بوتفليقة” وبروز من باتوا يحكمون باسمه، مشيرا في هذا السياق إلى الجنرال سعيد شنقريحة الذي ألقى خطابا، نقلته وسائل الإعلام الرسمية، يجهر فيه بما يكنه للمغرب من عداء وكراهية، إضافة إلى ما تلفظ به في ملتقى نظمه “القطاع العملياتي الجنوبي” للجيش الجزائري حول سعي الجزائر إلى إقامة “دولة مستقلة” فوق الصحراء المغربية.
الحلقة العاشرة: القادم من الأخطار ربما هو الأسوأ
في السابق، قلما كان جنرالات الجزائر المتنفذون يدلون بتصريحات علانية واستفزازية ضد المغرب. ورغم تبني كل مكونات النظام عقيدة العداء لبلادنا، ومع أنهم هم الذين يوجهون سياسة الدولة الجزائرية وعلاقاتها مع المغرب، ويحرصون على أن تظل متوترة، ويقودون حرب حكامهم علينا، ومع أن نفسوهم تفيض بالكره والعداء الشديدين ضد بلادنا ومؤسساتها، مع كل ذلك، فقد كانوا يتركون هذه المهمة للجناح السياسي في النظام: رئيس الجمهورية، وزير الخارجية، الوزير الأول، رئيس البرلمان، ووسائل الاعلام التابعة لهم.
كان هذا السلوك ساريا في عهد أحمد بن بلة، وهواري بومدين، والشاذلي بن جديد، واليامين زروال، وعلي كافي، وعبد العزيز بوتفليقة.
ولعل مرد ذلك إلى أن أولئك الرؤساء إما أنهم ينتمون للمؤسسة العسكرية، وإما يملكون شرعية تاريخية مثل عبد العزيز بوتفليقة.
وكمثال على ذلك ما نكتشفه في مذكرات الجنرال خالد نزار، حين تحدث عن محاولات النظام الجزائري منع المغرب من بناء الجدار الأمني في الأقاليم الجنوبية. فقد قال إنه أرسل هو ومحمد التواتي، رئيس المنطقة الثالثة في الجيش الجزائري (منطقة تندوف)، مذكرة إلى الرئيس الشاذلي بن الجديد، لكي يأخذ “الحيطة والحذر من الانفتاح المفاجئ للمغرب تجاه الجزائر”.
وأضاف خالد نزار أنهما اقترحا على بن جديد اتخاذ تدابير ملموسة لمنع المغرب من بناء الجدار الأمني، وحكى أنهما اقترحا أن يفتح الجيش الجزائري أمام البوليساريو مجالا للعمل العسكري، انطلاقا من القطاع الأوسط، عبر محاميد الغزلان، يسمح له باستهداف مناطق داخل المغرب.
وقال إنهم اتخذوا كل التدابير لدرء كل الاحتمالات، وإنهم اقترحوا تقوية القطاع الأوسط باستنفار القوات الآلية للجيش الجزائري، ونشر طائرات الهليكوبتر وطائرات “الميغ” لحماية المجال الجوي الجزائري وفتح المجال أمامها للتدخل عندما تقوم القوات المغربية بملاحقة “مقاتلي البوليساريو”. ثم قال إن الرئيس الشاذلي بن جديد وافق على الخطة، لكن بعد ذلك لم تأت الأوامر بتنفيذها.
لو حدث مثل هذا اليوم في عهد عبد المجيد تبون، لما حدث على شكل اقتراح، وإنما على شكل تعليمات، لا يستطيع الرئيس تجاهلها أو التماطل في التصديق عليها والانطلاق في تنفيذها على الفور ودون تردد، وإلا أرغم على التنحي، أو وقع له ما وقع لمحمد بوضياف.
وللتذكير، فإن خالد نزار هذا لما أصبح وزيرا للدفاع ورئيس أركان الجيش، وغدا الرجل القوي والحاكم الفعلي، هو من قاد الانقلاب الذي أطاح بالشاذلي بن جديد، الذي أجبرته المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في نهاية الثمانينات على السماح بالتعددية السياسية والحزبية بالجزائر. لكن مافيا الجنرالات لم تكن لتقبل دخول الجزائر في مسلسل الدمقرطة.
وللتذكير أيضا، فإن الشاذلي بن جديد هو من أوصل خالد نزار إلى المرتبة التي سمحت له بالانقلاب على صاحب الفضل عليه. وتلك سمة من سمات صراع الأجنحة داخل نظام الحكم في الجزائر منذ الاستقلال.
هذا الجنرال نفسه أقر، في مذكراته، بأن الدولة الجزائرية هي التي تسلح الجماعة الانفصالية منذ البداية، حين قال إنهم، في قيادة المنطقة التي تضم تيندوف (كان ذلك في السبعينات)، يتلقون من وقت لآخر أوامر بمنح “البوليساريو” كميات من الذخيرة، يقتطعونها من مخصصاتهم، وأضاف أن المركز هو الذي يضمن، في العادة، تزويد “البوليساريو” بالإمكانات والحاجيات.
كما أقر في أحد حواراته الصحافية بتدخل الجيش الجزائري في امغالا. لكنه برر هزيمته قائلا: “إن الجيش لم يكن يتوفر على أركان ولا على الاستعلامات، ولم يكن يتوفر على معلومات حول كيفية تشكيل الجيش المغربي”.
مرحلة جديدة سوف تبدأ لما صرع المرض عبد العزيز بوتفليقة، وأفقده القدرة على الكلام وعلى الحركة، وأجلسه على كرسي متحرك، وتسبب له في فقدان سلطته ونفوذه، ولما بات آخرون يحكمون باسمه، غدا عسكري برتبة جنرال، وقائد منطقة عسكرية تحاذي المغرب، يلقي خطابا تنقله وسائل الإعلام الرسمية، يجهر فيه بما يكنه للمغرب من عداء وكراهية، ويتحدث كما لو أنه هو رئيس الجمهورية، ويشرح سياسة الدولة تجاه المغرب وقضية الصحراء المغربية، ويعرض خططه تجاهها.
هذا الجنرال هو سعيد شنقريحة، الذي أيقن، ربما، أن زمانه قد اقترب من البزوغ، فقام بما قام به قبل حتى أن يصبح، بعد وفاة الجنرال قايد صالح، رئيس أركان الجيش الجزائري والرجل الأقوى في البلاد.
أمام عدد من الجنرالات وقادة المليشيات الانفصالية، وفي ملتقى نظمه “القطاع العملياتي الجنوبي” للجيش الجزائري، أي قطاع الجيش الذي يراقب ويتحكم في المناطق التي تحتضن تندوف وثكنات المليشيات الانفصالية، قال شنقريحة إن هدف هذا الملتقى هو “تبادل الخبرات في المجال العسكري وفي المواضيع والقضايا الراهنة ذات الصلة مع القضية الصحراوية”، و”الرامية إلى وضع تصور منهجي واستراتيجي لمواصلة العمل والسير في الطريق الصحيح تحقيقا للأهداف المشتركة بين الجيش الجزائري والجيش الصحراوي، وفي مقدمتها استرجاع سيادة الشعب الصحراوي الشقيق على أرضه المسلوبة منه ظلما من طرف المحتل المغربي”.
وأضاف شنقريحة أن الجزائر تسعى إلى “نصرة الشعب الصحراوي الشقيق، وتمكينه من إقامة دولته”. (لعل الجنرال نسي أو تناسى أن نظام بلاده أقام دولة وسماها الجمهورية الصحراوية الديمقراطية ونصب على رأسها رئيسا، ومنحها حكومة، وفتح لها سفارات…). ثم نوه “بالمجهودات المبذولة من طرف أفراد وحداتنا المرابطين على حدودنا الوطنية، بالتعاون مع جيش التحرير الصحراوي”.
هل يحتاج هذا الكلام إلى مزيد من الشرح؟ إن هذا الملتقى، وهو العاشر من نوعه، مخصص للتعبئة ضد بلادنا. اعترف فيه واحد من صناع القرار في الجزائر، جهرا وبالوضوح التام، بالتزام جيش بلاده بهدف ما أسماه “استرجاع سيادة الشعب الصحراوي على أرضه”، وأقر بأن الجزائر تسعى إلى إقامة “دولة مستقلة”، فوق الصحراء المغربية.
أين الاستفتاء من أجل تقرير المصير؟ أين المفاوضات تحت رعاية مجلس الأمن الدولي من أجل التوصل إلى حل سياسي متوافق عليه؟
إن الجنرال الجزائري الذي سوف يصبح رئيس أركان الجيش والرجل الأقوى في الجزائر، والذي وصف المغرب بـ”المحتل”، وبالعدو “الغاشم”، يؤكد جهرا أن حكام الجزائر سوف يظلون ينازعون بلادنا حقوقها الوطنية، ويقول لنا إنهم مستعدون للقيام بذلك بالوسائل العسكرية.
تصريح آخر يسير في الاتجاه نفسه رغم أن صاحبه لم يفصح عن هويته، نشرته جريدة “لوبينيون” الفرنسية، 30 نونبر 2021، عن مسؤول وصفته بأحد صقور النظام الجزائري. يقول التصريح إن “الجزائر مستعدة لشن الحرب على المغرب إذا لزم الأمر”.
المصدر: وكالات