تداولت وسائل إعلام موريتانية معطيات تفيد بعثور الجيش الجزائري على سيارة رباعية الدفع تعود لمنقبين موريتانيين عن الذهب، كانت قد تعرّضت للسطو خلال هجوم مسلح داخل الأراضي الموريتانية قرب الحدود مع الجزائر.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن الهجوم وقع في منطقة “ارقيوة” الحدودية حيث باغتت مجموعة مسلحة تنتمي لمخيمات تندوف المنقبين أثناء مزاولة نشاطهم، كما تشير روايات نقلتها الصحافة الموريتانية إلى أن المسلحين أطلقوا النار على الضحايا، ما أدى إلى إصابة أحدهم بجروح، قبل أن يستولوا على معدات التنقيب التي كانت بحوزتهم.
المصادر عينها أوضحت أن المهاجمين لم يتمكنوا من الحصول على كمية الذهب التي كان يحتفظ بها المنقبون داخل المركبة، وهو ما دفعهم إلى تعنيفهم ومحاولة إرغامهم على الكشف عن مكانها، قبل أن يغادروا المنطقة تحت جنح الظلام، مضيفة أن “المجموعة حاولت إدخال السيارة إلى المنطقة العازلة لكنها فشلت، ما جعلها تتخلى عنها في الجانب الجزائري”.
وتعيد هذه الحادثة، وفق تعليقات منقبين، التذكير بحالة الاضطراب الأمني التي يعرفها محيط الحدود الموريتانية مع المنطقة العازلة ومخيمات تندوف، حيث سبق تسجيل اعتداءات مماثلة خلال الأشهر الماضية، مشيرين إلى أن “تكرار هذه الوقائع يعكس نشاط شبكات مسلحة تتحرك في الفراغ الحدودي وتستهدف المنقبين الموريتانيين، في ظل غياب ضمانات حماية فعلية لمسارات التنقيب التقليدي”.
اعتداءات متواصلة
تعليقا على الموضوع، قال محمد محمود ولد الحسن العلوي، رئيس الاتحاد العام للمنقبين الموريتانيين، إن الاعتداءات التي يتعرض لها المنقبون الموريتانيون من طرف عناصر تابعة لجبهة البوليساريو باتت تتكرر بشكل مقلق خلال الأشهر الأخيرة، بعدما أصبحت هذه المجموعات تعترض سيارات المنقبين وتصادر معداتهم، بل وتلجأ في بعض الحالات إلى الضرب المبرح تحت تهديد السلاح.
وأضاف العلوي، في تصريح خص به جريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذه الاعتداءات امتدت إلى داخل التراب الموريتاني، حيث سبق أن نفّذت عناصر مسلحة من البوليساريو عملية سلب في منطقة شگات، استولت خلالها على أجهزة تنقيب باهظة الثمن وسيارة تعود لمنقب موريتاني من قبيلة الطرشان، قبل إدخالها إلى الحدود الجزائرية، في اختراق خطير للأمن الحدودي.
وأوضح رئيس الاتحاد أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطات الموريتانية لضبط الشريط الحدودي ومنع المقاتلين من دخول الأراضي الموريتانية بلباس مدني قد أثارت غضب عناصر البوليساريو، بعدما اعتادوا التحرك بحرية داخل مدينة الزويرات وعمق التراب الموريتاني، ثم العودة إلى الصحراء بزي عسكري، وهو ما كانوا يستغلونه لتنفيذ عمليات سلب وابتزاز تستهدف المنقبين الموريتانيين.
وبخصوص دوافع التصعيد، أكد المتحدث أن هذه المجموعات تعتبر قرار منعها من دخول موريتانيا تضييقا عليها داخل المخيمات ومحاصرة لتحركاتها، فبدأت تلجأ إلى الضغط على المنقبين عبر فرض “غرامات” تصل إلى 500 ألف أوقية قديمة، أي ما يعادل نحو 1200 دولار أمريكي، مقابل السماح لهم بالمرور، بينما تُصادر سيارات من يرفض الدفع ويُحتجز ركابها.
وشرح أن “أحد أبرز الأحداث وقع قبل نحو ثلاثة أشهر في منطقة المالْحات، حيث هاجمت مجموعة قادمة من الناحية العسكرية السابعة منقبين موريتانيين داخل الأراضي الوطنية، واعتدت عليهم بالضرب وصادرت سياراتهم، كما شهدت المنطقة مواجهة مباشرة حين انتزع منقبون أسلحة من عناصر الجبهة، ما دفع الأخيرة إلى الفرار، في تطور يحيل على استمرار تدهور الوضع الأمني”.
وكشف رئيس المنقبين الموريتانيين أن بعض عناصر البوليساريو باتوا يتنكرون بزي المنقبين بهدف الاقتراب من الضحايا قبل الانقضاض عليهم، مؤكدا أن “هذه الممارسات تمثل مستوى دنيئا من المضايقات، وأن المنقبين أصبحوا يشعرون بتهديد مباشر يطال سلامتهم وممتلكاتهم في غياب ضمانات الحماية داخل مناطق التنقيب.
وخلص العلوي إلى أن ما يجري هو نتيجة مباشرة لتشديد موريتانيا مراقبة حدودها ومنع أي تحرك غير قانوني، داعيا إلى تعزيز التنسيق الأمني لردع الاعتداءات المتكررة وضمان حماية المواطنين الموريتانيين الذين ينشطون في مناطق التنقيب القريبة من الشريط الحدودي.
مطالب عاجلة
من جانبه، يرى الشيخ أحمد أمين، مدير موقع “أنباء أنفو” الموريتاني الممنوع من النشر، أن التطورات المتسارعة في شمال موريتانيا تنذر بمرحلة أكثر حساسية، بفعل ارتفاع وتيرة الهجمات التي تنفذها مجموعات محسوبة على جبهة البوليساريو ضد المنقبين عن الذهب، وبروز سلوكيات ميدانية توحي بوجود محاولات لفرض وقائع جديدة على الأرض.
وسجل الشيخ أحمد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن التحركات العسكرية الأخيرة للجيش الموريتاني، وإغلاقه عددا من الممرات التي كانت تشكّل نقاط ضعف على الشريط الحدودي طوال سنوات، أحدثت ارتباكا لدى هذه المجموعات، التي بدأت تلجأ إلى أساليب أكثر عدوانية تجاه المدنيين والمنقبين على وجه الخصوص.
واسترسل المصرح هسبريس بأن حادث إطلاق النار على أحد المنقبين والاستيلاء على سيارة رباعية الدفع ومعدات كاملة للتنقيب، يمثل مؤشرا خطيرا على تطور نوعي في طبيعة الاعتداءات، موضحا أن “بعض الجماعات أصبحت تتحرك بخفة في مناطق وعرة ومعقدة جغرافيا، مستغلة صعوبة مراقبة الحدود وامتداد مسالكها”.
وأوضح الصحافي الموريتاني أن المنقبين يعيشون حالة استياء عميق، بعدما تحولت أنشطتهم من مصدر رزق إلى مخاطرة شبه يومية، لافتا إلى أن “المطالب باتت واضحة اليوم: توفير حماية فعلية وليس مجرد حضور رمزي، مع السعي الجاد لاسترجاع الممتلكات المنهوبة، خصوصا وأن الاعتداءات المتكررة باتت تهدد آلاف الأسر التي تعتمد على التعدين الأهلي”.
وأضاف الشيخ أحمد أمين أن الاستجابة الرسمية، رغم أهميتها، ما زالت غير كافية لطمأنة الشمال، مشيرا إلى أن “الوضع الراهن يحتاج إلى مقاربة أمنية تتجاوز التدخلات الظرفية، وتعتمد على تعزيز الانتشار العسكري، ورفع مستوى الجاهزية، وتطوير منظومة المراقبة المبكرة القادرة على رصد التحركات المشبوهة قبل وقوعها”.
وأورد المتحدث ذاته أن ما يجري في الشمال لا يمكن فصله عن مشهد إقليمي مضطرب تتداخل فيه شبكات تهريب السلاح، والاتجار بالبشر، ومسارات الجماعات المسلحة، إضافة إلى محاولات البوليساريو البحث عن منافذ جديدة للحركة بعد تضييق الخناق عليها.
وختم الشيخ أحمد أمين حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن الواقع الأمني في شمال موريتانيا لا يحتمل أي تراخٍ، وأن الحوادث الأخيرة تشكّل إنذارا مبكرا بضرورة اعتماد استراتيجية دفاعية محكمة ويقظة دائمة، قبل أن تفرض المعطيات الميدانية وقائع يصعب تداركها مستقبلا.
المصدر: وكالات
