يمثل التواصل في وقت الأزمات أحد المؤشرات المهمة على قوة الدول وقدرتها على تدبير أوضاعها في الظروف الصعبة. وقد شكل “زلزال الحوز” اختبارا جديدا للمملكة في هذا المجال، حيث بدت السلطات حريصة على التواصل مع الرأي العام الوطني والدولي وعلى أعلى المستويات.
زلزال الثامن من شتنبر، الذي شعر به مواطنو عدد من المدن المغربية البعيدة عن بؤرته بإقليم الحوز بسبب شدة وقوة هزته، تكلفت خلاله وزارة الداخلية منذ الوهلة الأولى بمهمة التواصل بشأنه، وإعلان الخسائر البشرية المسجلة في نشرات دورية.
وأمام هول هذه الفاجعة تسلمت المؤسسة الملكية زمام المبادرة، وأعلنت في بيان للديوان الملكي عن مجموعة من القرارات للتعاطي مع الوضع، أولها “الحداد الوطني والإحداث اﻟﻔوري ﻟﻠﺟﻧﺔ ﺑﯾن وزارﯾﺔ ﻣﻛﻠﻔﺔ ﺑوﺿﻊ ﺑرﻧﺎﻣﺞ اﺳﺗﻌﺟﺎﻟﻲ ﻹﻋﺎدة ﺗﺄھﯾل وﺗﻘدﯾم اﻟدﻋم ﻹﻋﺎدة ﺑﻧﺎء اﻟﻣﻧﺎزل اﻟﻣدﻣرة ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﻣﺗﺿررة ﻓﻲ أﻗرب اﻵﺟﺎل”.
كما وجه الملك محمد السادس تعليماته باﻟﺗﻛﻔل ﺑﺎﻷﺷﺧﺎص ﻓﻲ وﺿﻌﯾﺔ ﺻﻌﺑﺔ، ﺧﺻوﺻﺎ اﻟﯾﺗﺎﻣﻰ واﻷﺷﺧﺎص ﻓﻲ وﺿﻌﯾﺔ ھﺷﺔ، والتكفل الفوري بكافة الأشخاص بدون مأوى جراء الزلزال، لاسيما فيما يرتبط بالإيواء والتغذية وكافة الاحتياجات الأساسية، وﺗﺷﺟﯾﻊ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﯾن ﺑﮭدف اﻻﺳﺗﺋﻧﺎف اﻟﻔوري ﻟﻸﻧﺷطﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﻣﻌﻧﯾﺔ، فضلا عن ﻓﺗﺢ ﺣﺳﺎب ﺧﺎص ﻟدى اﻟﺧزﯾﻧﺔ وﺑﻧك اﻟﻣﻐرب ﺑﮭدف ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻣﺳﺎھﻣﺎت اﻟﺗطوﻋﯾﺔ اﻟﺗﺿﺎﻣﻧﯾﺔ ﻟﻠﻣواطﻧﯾن واﻟﮭﯾﺋﺎت اﻟﺧﺎﺻﺔ واﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ.
وعقب هذه المحطة الأولية ترأس الملك محمد السادس اجتماعين آخرين مع اللجنة البين وزارﯾﺔ المكلفة ﺑوﺿﻊ ﺑرﻧﺎﻣﺞ اﺳﺗﻌﺟﺎﻟﻲ ﻹﻋﺎدة ﺗﺄھﯾل وﺗﻘدﯾم الدعم وإعادة بناء المنازل المدمرة من أجل الاطلاع على العملية، حيث أعلن في الأخير عن تخصيص 120 مليار درهم لإعادة تأهيل وبناء المناطق المتضررة، فضلا عن مبالغ الدعم الموجهة إلى المستفيدين من البرنامج.
وأمام الحضور القوي للمؤسسة الملكية في تلك اللحظة العصيبة التي عاشتها البلاد، وكذا السلطات العمومية التي كانت تقدم الإحصائيات المحينة بخصوص أعداد الضحايا الذين سقطوا في الزلزال، سجل البعض حضورا محتشما للحكومة ووزرائها في التواصل مع الرأي العام، بل هناك من ذهب إلى حد اتهامها بـ”الفشل” في تدبير العملية التواصلية في ذاك الظرف الدقيق الذي عاشته البلاد.
في تعليقه على الموضوع، أوضح إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية وتدبير الأزمات ومدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات، أن التواصل يستأثر بـ”أهمية قصوى خلال فترات الأزمات والكوارث بالنظر إلى حالة الهلع التي تخلفها هذه المحطات القاسية في أوساط المجتمع، والأسئلة المقلقة التي يطرحها الضحايا المتضررون أو حتى أوساط المجتمع بشأن المستقبل”.
وأضاف لكريني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المغرب بحكم كونه بلد معني بالكوارث الطبيعية، راكم “تجربة مهمة جدا برزت ملامحها بصورة واضحة خلال جائحة كورونا”، مشيرا إلى أن التواصل البناء الذي أرسته السلطات كان له “الأثر الكبير فيما يتعلق بعدم وجود انحرافات في هذا الخصوص، خاصة مع تطور وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي الهادفة إلى تحقيق الربح أو الشهرة”.
وسجل أن فترات الأزمات تكون فيها البلدان معرضة لـ”ترويج الشائعات والأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة”، مبرزا أن المغرب في مرحلة الزلزال “استطاع حقيقة أن يرسي تواصلا مهما منذ بداية الكارثة، سواء تعلق الأمر بالتواصل على أعلى مستوى من خلال البلاغات الصادرة عن الديوان الملكي، والتي كانت حقيقة تواكب التطورات وتبرز أن هناك اهتماما على أعلى مستوى داخل الدولة فيما يتعلق بمواكبة الأزمة وانعكاساتها الآنية والمستقبلية”.
وأضاف أن تواصل المؤسسة الملكية كان له “أثر في تجنيد الإمكانيات وبذل المزيد من الجهود من مختلف المؤسسات والفاعلين. كما أرسى الثقة في هذه الجهود، وساهم في طمأنة المتضررين وأفراد المجتمع، وهو ما ضيق هامش الأخبار الزائفة والمبالغ فيها التي كانت بعض شبكات التواصل الاجتماعي تحاول أن تثيرها”.
وأشار الأكاديمي ذاته إلى أن الإعلام الرسمي أو المستقل وقع على “مواكبة مهمة جدا للكارثة، من حيث بلورة نقاشات مجتمعية وأكاديمية مختلفة ساهمت في تنوير الرأي العام على مستوى المعلومات وأعداد الضحايا والمتضررين، وكذا واقع عمليات الإغاثة والمساعدات الموجهة إلى المتضررين”.
وأوضح أن التغطية الإعلامية بينت أن هناك “اهتماما وطنيا وشعبيا ورسميا على أعلى مستوى، ساهم في تنامي التوجهات التضامنية التي انخرط فيها الكثير من المواطنين، وفي تدبير الكارثة، مما قلل من انعكاساتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية”.
كما أبرز أن هذا التواصل مرتبط بالتدبير الآني للكارثة من حيث متابعة الضحايا والزيارة التي قام بها الملك محمد السادس لعدد من الضحايا، وإعطاء إجابات عن الأسئلة المقلقة، خصوصا عندما صدرت بيانات على المستوى الرسمي والمبالغ التي رصدتها الدولة فيما يتعلق بإعادة بناء المنطقة وتأهيلها، وتمكين المتضررين من السكن الذي سيخضع للمواصفات الأمنية ويستحضر التقاليد المحلية”.
وخلص لكريني إلى أن الاستراتيجية التواصلية التي تبنتها الدولة “ضيقت على الشائعات التي عادة ما تربك الجهود التي تبذلها الدولة، وساهمت من جهة أخرى في تدبير الأزمة بصورة أكثر احترافية، وجعلتها تتواصل على عدة مستويات بالصورة التي لاحظنا فيها أن هناك تعاملا احترافيا وناجعا مع الأضرار التي خلفتها هذه الكارثة”.
المصدر: وكالات