أثارت “صفقة كراء أو اقتناء السيارات” التي صادق عليها المجلس الجماعي لمدينة الرباط في دورة فبراير الماضية، ضمن ميزانيته السنوية لعام 2023، جدلا واسعا في المغرب، سواء من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي أو في أوساط أطياف حزبية وفعاليات مدنية تحركت رافضة ما تصفه بـ”تبذير المال العام في ظرفية اقتصادية ضاغطة”.
وبعثت هذه الوقائع وغيرها، التي استفاد منها رؤساء جماعات ترابية وأعضاء مجالسها فضلا عن رؤساء اللجان (في بعض الأحيان)، نقاشا “متجددا” بخصوص “ترشيد وعقلنة النفقات العمومية مع اعتماد الحكامة والترشيد في تسيير مالية الجماعات الترابية”، لاسيما في ما يخص مصاريف التنقل والنقل، باعتبارها عادة ما تُصنف ضمن خانة “المصاريف غير الضرورية”.
هذه الممارسات أثارت دائما حفيظة وقلق “حُماة المال العام”، الذين ذكّروا بدورية وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت المعممة في أكتوبر 2022 وتساءلوا عن مدى جدواها.
الدورية المذكورة، تتوفر هسبريس على نسختها، دعت إلى “التقليص لأقصى حد من نفقات النقل والتنقل داخل وخارج المملكة، ونفقات الاستقبال وتنظيم الحفلات والمؤتمرات والندوات، وكذا نفقات الدراسات، وغيرها من النفقات غير الضرورية”، في الشق المتعلق بـ”نجاعة وعقلنة التدبير المالي للجماعات الترابية وترشيد نفقات التسيير”.
خارطة طريق للتدبير
جواد لعسري، أستاذ المالية العامة والتشريع الضريبي في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية (جامعة الحسن الثاني)، قال إن “الدورية ترسم خارطة طريق التدبير المالي على صعيد ترابي واضح”.
وأضاف لعسري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “تبعا لمضمون الدورية، فإن حسن التدبير المالي يدخل في إطار ترتيب الأولويات الأساسية لدى كل مجلس جماعي”.
وتابع شارحا: “هناك أولويات يجب أن تحترمها مالية الجماعات الترابية على اختلاف مستوياتها، إلا أننا نرى مع الأسف مبالغة في تدابير إنفاق المال العمومي”.
“تبديد أموال عمومية”
نبه الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن “تقارير المجلس الأعلى للحسابات ومجالسه الجهوية طالما سجلت انعدام حسن ترشيد نفقات عمومية عند افتحاصها للحسابات المالية لعدد من الجماعات”، لافتا إلى أن الأمر يمكن أن يصل إلى حد اقتراف تهمة “تبديد أموال عمومية التي قد تدخل في باب الجرائم المالية”.
لعسري الذي شغل منصب مفتش إقليمي رئيس سابق بالمديرية العامة للضرائب، شدد في تصريح لهسبريس على أن “المشرّع المغربي يميّز بوضوح بين التبديد والاختلاس”.
واعتبر أن الاختلاس يجب أن يفهم ببساطة على أنه “إنفاق المال العام في غير محله، أو اقتناء سلع أو خدمات تفوق الأثمنة المتداولة في السوق”.
ودعا إلى “إعمال الصدق في تنزيل الدورية الوزارية؛ لأن المجالس متابعة بأجهزة رقابية متعددة، أبرزها المفتشية العامة للمالية، والمفتشية العامة للإدارة الترابية لها صلاحية مراقبة المالية العمومية”.
بين الشراء والكراء
اعتبر لعسري أنه في حالة الجدل المرافق لصفقة السيارات بجماعة الرباط، فإن “المفروض أن تتم مراعاة الإرادة الشعبية، بدل الرفاهية بالنسبة المسؤولين المنتخَبين”.
وأجمل شارحا: “عند احتساب كراء 13 سيارة فاخرة شهريا بسومة تتجاوز 8 آلاف درهم على مدى 5 سنوات، فإن غلافا ماليا إجماليا يقارب على الأقل 650 مليون سنتيم كان من شأنه مثلا أن يمكّن من شراء سيارات ذات صنع وطني، وتشجيع الاقتصاد الوطني، مع إمكانية استغلالها لاحقا أو إعادة بيعها”.
“توجيه معقول”
الطيب أعيس، خبير مالي ومحاسباتي متخصص، اعتبر بدوره أن “المحاسبة المالية للجماعات الترابية لا تختلف عن نظيرتها للشركات أو ميزانية الدولة”، موضحا أنها تتشكل من “النفقات الإجبارية الضرورية، ثم مصاريف التسيير، ثم مصاريف التجهيز أو ما يسمى الاستثمار”.
بخصوص دورية وزارة الداخلية، قال أعيس، في حديث لهسبريس، إنها بمثابة “توجيه معقول في وقته ومحلّه، أخذاً بعين الاعتبار ظروف التضخم والوضعية الاقتصادية المتأزمة نتيجة عدة صدمات متوالية”.
وزاد: “لا يُعقل أن يتكرر الأمر ويحصل ما حصل في ميزانية جماعة الرباط في جماعات أخرى في هذا الظرف الاقتصادي الحساس بالذات، حيث الدولة تعمل جاهد قصد ترشيد النفقات بشكل يجعل ميزانية الجماعات تسد الضروريات الأساسيات”.
وخلص الخبير المالي إلى أن “الأحرى أن ممثلي الساكنة هم منتخبون يعبرون عن إرادة شعبية واضحة في توجيه المال العمومي إلى أمور ذات أثر”، لافتا إلى “ضرورة الانتباه إلى عدم تحقيق أي عجز في ميزانية الجماعات”.
المصدر: وكالات