لم ينته الجدل الذي أثاره الخطاب المصوّر الذي وجّهه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغاربة، والذي اعتبره خبراء العلاقات الدولية ضرباً للأعراف الدبلوماسية، حتى خرجت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا بتصريح لإحدى القنوات الإخبارية، تزعم فيه وجود زيارة مبرمجة لماكرون للمغرب في الأيام القادمة.
وبعدما لم يتجاوب المغرب مع العرض الفرنسي لدعم جهود الإغاثة في المناطق المتضررة من الزلزال، مقابل قبول عروض إسبانيا والمملكة المتحدة وقطر والإمارات، نفى مصدر حكومي رسمي مغربي أن تكون زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب “مدرجة في جدول الأعمال ولا مبرمجة”.
وعبر المصدر الحكومي الرسمي ذاته عن استغرابه لكون وزيرة الخارجية الفرنسية اتخذت “هذه المبادرة أحادية الجانب ومنحت نفسها حرية إصدار إعلان غير متشاور بشأنه بخصوص استحقاق ثنائي هام”.
في هذا السياق، اعتبر العباس الوردي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن تصريح وزيرة الخارجية في هذه المرحلة غير مبرر، وفيه استفزاز للمغرب وضرب للأعراف والمبادئ الدبلوماسية التي تدبر مثل هذه الزيارات بعرض الحائط.
وأضاف الوردي، في تصريح لهسبريس، أن الزيارات الثنائية بين البلدين لا تدبر بالفجائية والتصريحات الأحادية، مضيفا أن ماكرون عليه أن يبرّر هذه التحركات والخرجات الأخيرة غير المحسوبة تجاه المملكة المغربية.
ويرى الخبير في العلاقات الدولية أن الممارسات الصادرة عن باريس وساكن الإليزيه في الآونة الأخيرة- باعتبارها محاولة لإجبار المغرب على قبول المساعدات- تظهر استخفافا بالعلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الفرنسية والمملكة المغربية، واصفاً الأمر بـ”غير المقبول” لكون “المغرب ليس مستعمرة أو محمية فرنسية”.
وخلص إلى التذكير بـ”الاستفزازات السابقة للجمهورية الفرنسية كتقليص عدد التأشيرات للمتقدمين المغاربة، ومنع كبار المسؤولين والطلبة والأساتذة الجامعيين من التوجه إلى الديار الفرنسية لقضاء مآربهم والمشاركة في الملتقيات العلمية وغيرها”.
ويتّفق صبري الحو، محام خبير في القانون الدولي وقضايا الهجرة، في كون الزيارات الرسمية تخضع لقواعد بروتوكولية صارمة من حيث الطلب ومواضيع المناقشة والمداولة والوفود المرافقة وتاريخ إجرائها، لافتا الانتباه إلى أن هذه الزيارات “يحكمها القانون الدبلوماسي، ولا يمكن إجراؤها ضدا على كل هذه الأعراف إلا إذا دعت ظروف استعجالية واستثنائية إلى ذلك، بالرّغم من أنه يبقى التنسيق السابق يحكم كلتا الحالتين”.
واعتبر الخبير في العلاقات الدولية، في حديثه لهسبريس، أن “كل تصرف خارج هذه الأعراف يجعل الزيارة غير رسمية وقد لا يحظى القائم أو المبادر بها بالاستقبال الرسمي”، مشيرا في هذا السياق إلى أن الرئاسة الفرنسية ترغب، عبر الإعلان عن هذه الزيارة، باختبار مدى جدية الموقف المغربي الرافض للعرض الفرنسي للمساعدة في الإنقاذ بعد الزلزال.
وأضاف أن الرد المغربي على تصريحات وزيرة الخارجية الفرنسة “منسجم ورافض لأي مبادرة فرنسية من جانب واحد خارج الأعراف المذكورة، مما يجعل السلطات المغربية غير ملزمة بأي استقبال للرئيس الفرنسي، وهو ما يفيد بطريقة دبلوماسية لبقة عدم استعدادها وعدم رغبتها في هذه الزيارة”.
وخلص المتحدّث إلى أن الرفض المغربي “يعني انضمامه إلى الصحوة الإفريقية التي قطعت مع التبعية لفرنسا واتخذت موقفا سياديا لا يخضع للوصاية ولا الابتزاز”.
تجدر الإشارة إلى أن منصب سفير المغرب بباريس لا يزال شاغرا منذ 19 يناير الماضي، حيث جاء في بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، صدر في الجريدة الرسمية عدد 7166، قرار إنهاء مهام محمد بنشعبون من منصبه بباريس ابتداء من 19 يناير.
المصدر: وكالات