جهود مُقدرة قامت بها الأجهزة الأمنية المغربية في مكافحة الهجرة غير الشرعية طيلة العام 2023، مع تسارع وتيرة تفكيك شبكاتها المتشعبة سواء على الصعيد الوطني أو في إطار عمليات التعاون الأمني الدولي؛ وهو ما لم تخطئه عيون الفاعلين والمهتمين في قضايا الهجرة المؤشرات الرقمية لحصيلة الأمن سنة 2023.
في مؤشر لافت ودال، فإنه من أصل 6473 ملفا وطلب معلومات (بزيادة 12 في المائة مقارنة مع 2022) عالجَها “قطب التعاون الأمني الدولي” التابع للمديرية ذاتها، شكلت قضايا مكافحة الهجرة غير الشرعية 15 في المائة، لتفُوق بذلك “قضايا المخدرات” (13 في المائة)، ومسبوقة فقط بـ”مذكرات طلب المعلومات” (26 في المائة).
وفي الشق المتعلق بقضايا الهجرة غير الشرعية، تكللت جهود مصالح الأمن الوطني المغربي بـ”إجهاض محاولة هجرة 28 ألفا و863 مُرشحا للهجرة غير النظامية”، من بينهم 18 ألفا و820 شخصا من جنسيات أجنبية مختلفة”، مسجلة “تفكيك 121 شبكة إجرامية، وكذا توقيف 594 مُنظما ووَسيطا للهجرة”.
“تهديد أمني غير تقليدي”
تعليقا على هذه الأرقام والمعطيات الرسمية المعلنة عند متم العام 2023، قال محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، إن “ما يمكن قراءته في الأرقام، التي قدمتها المديرية العامة للأمن الوطني ضمن حصيلتها السنوية حول مكافحة الهجرة والتعاون الدولي بشأن قضاياها، هو أن ظاهرة الهجرة غير النظامية أصبحت تشغل أكثر بال العقل الأمني المغربي”.
وتابع بنعيسى، في إفادات شارحة قدمها لجريدة هسبريس الإلكترونية، مفسرا بأن “الهجرة صارت من التهديدات الأمنية غير التقليدية التي يمكن أن تُهدد أمن واستقرار الدول والمجتمعات، خصوصا لبلد مثل المغرب الذي يعتبر بوابة العالم نحو أوروبا؛ هذا ناهيك عن مشكلة شبكات الاتجار في البشر التي تصاعَد نشاطها خلال العقد الأخير، لأن الظاهرة تعاظمَت أنشطتها لتُدِر مليارات الدولارات عليها… بالتالي فإن السلطات الأمنية بالمغرب وفي إطار التعاون الدولي أو في إطار السياسة الأمنية الداخلية أصبحت تولي لهذه الظاهرة مكانة مهمة في استراتيجيتها”، استنتج رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، معتبرا أن ذلك “ما تجسد في كون الظاهرة أصبحت في صدارة سُلم مؤشراتها”.
وخلص المهتم بقضايا الهجرة و”الحريك” إلى أن “الهجرة غدَتْ تحتل مكانة متميزة في التعاون الدولي لمصالح الإدارة العامة للأمن الوطني متبوئة الرتبة الأولى، يأتي بعدها مكافحة المخدرات.. كما أنه على المستوى الداخلي فإن الإدارة العامة تولي أهمية كبيرة لعمليات إحباط محاولات الهجرة الفردية التي تتم على نفوذها الترابي وتفكيك شبكات الاتجار بالبشر”.
كفاءة وقدرة مغربية
خالد مونة، أستاذ باحث في أنثروبولوجيا الهجرة في جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، قال إن “أرقام الحصيلة تتطلب قراءة سياسية واقتصادية وليس فقط من وجهة نظر سوسيولوجية”، معتبرا أن مكافحة المغرب للهجرة السرية ما زالت تبرهن عن كفاءة وقدرة عاليَيْن في الحد من الهجرة السرية”.
وأضاف مونة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الحصيلة ارتفعت لسبَبَيْن؛ أولها أوضاع منطقة الساحل وتوتراتها سياسيا واقتصاديا”، بينما أصبح “التحول المناخي ونِسَب الجفاف المرتفعة” يخلقان أنواعا جديدة من المهاجرين الذين سيتم تأكيدها مستقبَلا عبر ما يسمى “الهجرة المناخية” من دول الجنوب إلى دول الشمال؛ وهو ما يطرح تحديات على السلطات المغربية ودول العبور.
ولفت الأكاديمي المختص في قضايا الهجرة إلى أن “الأخيرة، لا سيما في صنفها غير النظامي، تظل محط تعبير عن تعاون دولي وتنسيق إقليمي قوي يظهر من أرقام الحصيلة السنوية المذكورة، فضلا عن رهان التمويلات لمحاصرة الظاهرة”، مؤكدا بالمقابل أن “بلدان العبور أصبح من الواجب عليها أن تُنتِج تقارير سنوية تتضمن إحصائيات وحصيلة مفصلة”.
وخلص مونة إلى أن “ارتفاع وتيرة تفكيك شبكات الهجرة سنويا لا يعني بالضرورة القضاء على الهجرة”، خاتما بالقول: “لأنها قد تكون مناسبة لشبكات أخرى للسيطرة على طرق هجرة جديدة، ولأن الأسباب لا تزال مستمرة؛ ما يجعل تدخل الدولة يُسهم في عملية تنظيم التدفقات”.
المصدر: وكالات
