دقائق معدودة كانت كافية لوقوع خسائر غير مسبوقة في ذاكرة مدينة آسفي؛ إذ أجمعت تصريحات متطابقة لفاعلين جمعويين وسياسيين، إلى جانب شهادات سكان الحاضرة، على أنهم لم يشهدوا من قبل أضرارا بشرية ومادية بحجم التي عرفتها “عاصمة عبدة”، مساء أمس الأحد، عقب تساقطات مطرية استثنائية تحولت، في وقت وجيز، إلى سيول جارفة بعدد من الأحياء والشوارع الرئيسية.
وتسببت الأمطار القوية، التي تجمعت بكميات كبيرة، في غمر عدد كبير من المنازل والمحلات التجارية بالمياه، وتعطيل حركة السير والجولان في عدة نقط سوداء بآسفي، ما خلف حالة من القلق والخوف في صفوف الناس.
الخسائر المؤقتة
أفادت السلطات المحلية بإقليم آسفي أنه، على إثر التساقطات الرعدية القوية التي شهدها الإقليم وأدت إلى تدفقات فيضانية استثنائية خلال فترة زمنية وجيزة لم تتجاوز ساعة واحدة، تم، وفق آخر حصيلة تسجيل 21 حالة وفاة، نتيجة السيول الجارفة وتسربها إلى عدد من المنازل والمحلات، فيما جرى إسعاف آخرين، ومنهم من يخضع حاليا للعناية الطبية بالمستشفى الإقليمي محمد الخامس بآسفي.
وعلى مستوى الخسائر المادية، عرفت مدينة آسفي، بصفة خاصة، أضرارا متعددة؛ إذ غمرت مياه الأمطار حوالي 70 منزلا ومحلا تجاريا بالمدينة القديمة، خاصة بشارع بئر أنزران وساحة أبو الذهب، كما جرفت السيول نحو 10 سيارات، وتضرر المقطع الطرقي الرابط بين آسفي ومركز جماعة احرارة على مستوى الطريق الإقليمية 2300، ما أدى إلى انقطاع حركة المرور بعدة محاور داخل المدينة.
وفي تصريح صحافي أوضح عزيز مخلوف، مندوب وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بآسفي، أن مصالحه وفرت جناحا خاصا، فور توصلها بالإخبارية، وأحدثت خلية للتدخل الاستعجالي، مع توفير الأدوية اللازمة وتجنيد مكتب حفظ الصحة الجماعي للتعامل مع مختلف الطوارئ.
وعبر عدد من المواطنين، من خلال فيديوهات وتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، عن استيائهم من تكرار هذا المشهد مع كل تساقط للأمطار، معتبرين أن ضعف البنية التحتية واهتراء قنوات الصرف الصحي يزيدان من حدة المعاناة، ويجعلان المدينة عاجزة عن استيعاب كميات كبيرة من الأمطار في وقت وجيز.
وبالنظر إلى سوء الأحوال الجوية، وبناء على تحذيرات النشرة الإنذارية، قررت المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بآسفي، بعد مشاورات مع السلطات الإقليمية، تعليق الدراسة اليوم الاثنين، حفاظا على سلامة التلاميذ والأطر التربوية والإدارية.
تدخل ميداني
لمواجهة السيول وما خلفته من اضطرابات موضعية بعدد من النقط المنخفضة بشبكة التطهير السائل، جندت المديرية الإقليمية بآسفي التابعة للشركة الجهوية متعددة الخدمات مراكش–آسفي فرقها التقنية ميدانيا، من أجل ضمان تصريف مياه الأمطار والقيام بالتدخلات الضرورية على مستوى منشآت وشبكات التطهير السائل بمختلف مناطق المدينة.
وأوضحت معطيات توصلت بها جريدة هسبريس الإلكترونية أن المديرية عبأت وسائل مادية شملت 4 شاحنات هيدروكور (Hydrocureuses)، وشاحنتين هيدروكور تابعتين للمقاولة المتعاقدة، و3 مضخات محركة (موتوبومبات). وعلى المستوى البشري، جرى تجنيد جميع فرق قسم استغلال التطهير السائل التابعة للشركة وللمقاولة المتعاقدة.
وأضافت مسؤولة قسم التواصل بالمديرية الإقليمية في آسفي أن الوسائل المعبأة شملت أيضا 19 سيارة من نوع “بيك-أب” وشاحنات خفيفة، و3 شاحنات، إلى جانب 33 عونا ميدانيا.
وبحسب المصدر ذاته، فقد تم تنفيذ أشغال التطهير الوقائي (التنقية المسبقة) في وقت سابق، فيما تندرج التدخلات الجارية ضمن جهود المتابعة والمراقبة الميدانية لضمان انسيابية تصريف مياه الأمطار.
سواعد مواطنة
على وقع هذه الفاجعة التي أفضت إلى تسجيل قتلى، شمر شباب أحياء المدينة القديمة عن سواعدهم، وانخرطوا في عمليات إنقاذ والحد من اندفاع السيول التي حاصرت عددا من السكان داخل منازلهم، خاصة بالأحياء العتيقة ذات البنية التحتية الهشة، حيث ارتفع منسوب المياه بشكل خطير، ما دفع عناصر الوقاية المدنية إلى الاستعانة بقوارب بحرية في عمليات الإنقاذ.
وفي تعليقه على ما جرى قال عثمان سيحمود، أحد الفاعلين المحليين، “حزين جدا لما وقع لمدينتي الغالية آسفي ولجزء مهم من ساكنتها، خصوصا ساكنة المدينة القديمة المجاورة لواد الشعبة. ما وقع ليس كارثة طبيعية، بل كارثة بفعل بشري”، حسب ما دونه على حسابه بإحدى منصات التواصل الاجتماعي.
وأضاف أن آسفي سبق أن شهدت تساقطات مطرية بكميات أكبر، مستحضرا سنة 1996، “دون أن تسجل مثل هذا العدد من الوفيات أو حالات الفقدان”، معتبرا أن ما وقع اليوم “لم يكن بسبب كمية الأمطار وحدها، بل نتيجة القرار العاملي القاضي بإغلاق سد سيدي عبد الرحمان، الذي كان يشكل خزانا لمياه الأمطار ويساهم في خفض صبيب واد الشعبة”، وفق تعبيره.
وأكد سيحمود أن إغلاق السد “يطرح ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، عبر فتح تحقيق في هذه الكارثة وتنفيذ الجزاءات في حق كل من ثبت تورطه في هذه الجريمة البيئية والإنسانية”، داعيا أيضا إلى فتح تحقيق بشأن أشغال تهيئة ساحة سيدي أبو الذهب، المنجزة من طرف المجلس الإقليمي، ومدى احترامها لدفتر التحملات.
المصدر: وكالات
