اعتبر الكاتب طالع السعود الأطلسي إعلان وزيرة الخارجية الفرنسية عن زيارة قريبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، دون موافقة المملكة وما تقتضيه الزيارة من ترتيبات وبروتوكولات، “زلة سياسية”.
وأضاف الكاتب، في مقال توصلت به هسبريس معنون بـ”في طريقه إلى المغرب.. السيد ماكرون يتسرع ويتيه”، أن إطلالة الرئيس الفرنسي على المغاربة من على نافذة مواقع التواصل الاجتماعي، كأنهم سكان مُقاطعة فرنسية تابعة لسيادته، بخطاب لرَفْع معنوياتهم سقطة سياسية أخرى، مشددا على أن الدولة المغربية بثباتها تربك دولة فرنسا في محاولاتها امتلاك بوصلة تاريخية لسياساتها الخارجية.
وهذا نص المقال:
يحدُث اليوم في فرنسا، وفي الدولة الفرنسية خاصّة، ما هو غير مفهوم، لأنه غير مألوف وغير مقبول. دولة ذلك البلد عريقةٌ، بل إن دستورها يُعتمد مرجعا لدساتير دول عديدة في العالم، وتاريخها أيضا. إنها دولة الأنوار، الفكرية والسياسية… إنّها فرنسا بعاصمتها باريس، مدينة الأنوار، وفي خلفية أساساتها مبادئ الثورة الفرنسية. تبدو الدولة الفرنسية اليوم كما لو أنها “ضيّعت الشّمال” وضيعت رصيدها وتُراثها ومرجعيتها المؤسّساتية في تشكّل الدول الحديثة. ومن مواصفات الدولة الحديثة رزانة الدولة وحصانة قراراتها عن التسرُّع وعن العبث، فضلا عن احترامها لتقاليد مرعية في علاقات الدولة مع شعبها ومع دول علاقاتها الخارجية.
لعل الدولة الفرنسية قرّرت، ودون الإعلان عن ذلك، خُطّة مدقّقة المراحل، وللدِّقة مُتسلسلة الأخطاء، مع المغرب، وبما لا يتناسب مع ما نحمله من صورة راقية عن الدولة الفرنسية. إذ لا يُمكن تفسيرُ التّخبُّط وسوء التقدير في سلوكات الدولة الفرنسية إزاء المغرب بغيْر ذلك. لنْ يصدِّق عاقل، وبالأحرى مُحلِّلٌ سياسي، أن تتوالى تلك الأخطاء في سياق مُجرد زلَّات وأخطاء عفوية.
سبق وكتبتُ في مقال سابق بأن السيد ماكرون، منتوج بنك روتشليد لإدارة تصدُّعات وشروخ المجتمع الفرنسي، وجد نفسه وبمنهج مصرفي غَلط، يتعاطى مع القضايا الخارجية للدّولة الفرنسية بمنطق الرِّبح الآني والفائدة الفوْرية. للأسف، لم أخطئ فيما ذهبتُ إليه، ولي في تصرُّفات الدولة الفرنسية ما يُعزِّز ظنّي.
هل يُعقل، في دولة محترمة، أن يُعلَن عن زيارة رئيس دولة لدولة أخرى بدون موَافقات وترتيبات وإجراءات واتِّفاقات على بروتوكولات مع تلك الدولة. لقد حدث ذلك مع الدولة الفرنسية، عبر إعلان وزيرة الخارجية الفرنسية عن زيارة قريبة للرئيس الفرنسي السيد إمانويل ماكرون للمغرب، دون موافقة المغرب وتعبيره عن استعداده لاستقباله، وخاصة استقبال الملك محمد السادس لرئيس الدولة الفرنسية بكل ما يستدعيه ذلك من ترتيبات بروتوكولية وسياسية، تحسب وتعد بالإشارات وبالميلمترات وبالمفردات وبالمعاني. مصدرٌ رسمي مغربي، عبر وكالة الأنباء المغربية، سفّه البلاغ الفرنسي، بنفي أيّ إعداد لزيارة السيد ماكرون للمغرب. واسْتغرب المصدر المغربيُّ “مبادرة” الوزيرة الفرنسية بالإعلان عن “الزيارة غير المبرمجة”. هل معنى هذا أن الرئاسة الفرنسية تستعجل “مُصالحة” مع المغرب، بزيارة السيد ماكرون للرباط، ولو غير مبرمجة، ولنقل مُتوَسَّلة ومرغوبة، عبر الهواء ووسائط الإعلام، دون اللجوء إلى المساطر الديبلوماسية المتعارف عليها.
قبل هذه الزَّلَّة الديبلوماسية، توَجَّه السيد إمانويل ماكرون في شريط فيديو إلى المغاربة، مباشرة، كأنهم مجرد سكان مُقاطعة فرنسية تابعة لسيادته، بخطاب لرَفْع معنوياتهم. وربما لم يقل أحدٌ للسيد الرئيس إن للمغاربة ملكا، وملكا بجدارة ملكية تاريخية، وأن أولئك المغاربة لا يحتفون ولا يقدرون ولا يعتبرون إلا خطابات وتوجيهات ملكهم المسجل اسمه، ناصعا، في التاريخ… محمد السادس… تلك كانت سَقْطة سياسية، أخرى، لرئيس دولة فرنسا، إزاء المغرب ملك المغرب.
ستحتاج الدولة الفرنسية لمجهودات كبُرى لتدقيق صورة المغرب، في حقيقتها وفي ممكناتها، هي غير ما في الذهنية الاستعمارية العالقة، بمرجعية قرارها السياسي.
المغرب مغايرٌ لما هو في الأرشيف الاستعماري الفرنسي. مُستقل وقوي ومفيد لذاته وكفيل بها. وبتلك المقوِّمات هو نافع لجواره ولعلاقاته وللمسعى العالمي للتقدم وللسلام. وللأسف، الدولة الفرنسية بتخبُّط سلوكها السياسي، واضح أنها تُضيّع الجنوب، الذي كان لها فيه نفوذ، بعد أن “ضيعت الشمال”، في اشتباكات أوضاعها الداخلية، وأيضا في تعقيدات علاقاتها الخارجية. ولا أجرؤ على التفاخر بأن الدولة المغربية بثباتها تربك دولة فرنسا في محاولاتها امتلاك بوصلة تاريخية لسياساتها الخارجية.
المصدر: وكالات