بعد 13 عاما من الغياب، يعود الرئيس السوري بشار الأسد، الجمعة، للمشاركة في القمة العربية في جدّة في السعودية، التي من المتوقع أن تناقش أيضا النزاعين في السودان واليمن.
ومن دون أي إعلان مسبق، وصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي إلى جدة لحضور اللقاء الذي يجمع كل قادة الدول العربية.
وكتب زيلينسكي على حسابه على “تلغرام” قبل وقت قصير: “سأتحدث خلال قمة الجامعة العربية. سألتقي ولي العهد (السعودي) محمد بن سلمان وسأعقد اجتماعات ثنائية أخرى”. وهي أول زيارة يقوم بها إلى المنطقة منذ بدء الهجوم الروسي على بلاده.
ووصل الأسد إلى مدينة جدة الساحلية على البحر الأحمر، مساء الخميس، لحضور القمة السنوية لجامعة الدول العربية، في أول مشاركة له منذ عُلّقت عضوية دمشق في الجامعة ردا على قمعها الاحتجاجات الشعبية ضد النظام التي خرجت إلى الشارع في 2011 قبل أن تتحوّل إلى نزاع دام أودى بحياة أكثر من نصف مليون شخص.
وأجرى الأسد لقاء مع نظيره التونسي قيس سعيّد قبل بدء أعمال القمة، وبحث معه “العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين والتعاون الثنائي في مختلف المجالات”، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السورية الحكومية “سانا”.
وكانت قمة سرت في ليبيا، في مارس 2010، آخر قمة حضرها الأسد.
وتزينت شوارع جدة الرئيسية بأعلام الدول المشاركة، ومن بينها العلم السوري، ورحبت لافتات مضيئة في الشوارع بضيوف “قمة جدة”، التي وصفتها صحيفة “الرياض” في صفحتها الأولى بأنها “قمة القمم”.
وعزّزت السلطات السعودية الإجراءات الأمنية في الطرق المؤدية إلى فندق “ريتز كارلتون” الفخم الذي يستضيف القمة مع بدء توافد القادة العرب أمس الخميس.
وبحلول صباح الجمعة، وصل بالفعل كل من قادة مصر وسوريا ولبنان والعراق والبحرين وتونس وفلسطين واليمن وليبيا وموريتانيا والصومال والجزائر وسلطنة عمان.
وسيكون من أبرز الغائبين الرئيس الإماراتي النافذ الشيخ محمد بن زايد الذي أعلن أنه سيوفد نائبه منصور بن زايد، وفق ما أفادت وكالة أنباء الإمارات الرسمية “وام” اليوم الجمعة.
ولا تلقى جهود إعادة الأسد إلى الحاضنة العربية ترحيبا من كل الجهات الإقليمية والدولية.
فقد أعلنت قطر أنها لن تطبّع العلاقات مع حكومة دمشق لكنّها أشارت إلى أنها لن تكون “عائقا” أمام الخطوة التي اتخذتها الجامعة العربية. والخميس، أعلن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في بيان، أنه سيترأس وفد بلاده إلى القمة العربية.
وجدّدت واشنطن من جهتها، الأربعاء، التأكيد أنها “لا تعتقد أنّ سوريا تستحقّ إعادتها إلى الجامعة العربيّة”. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل: “لن نعمل على تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، كما لا ندعم بالتأكيد الآخرين على فعل ذلك أيضا”.
وكانت دول عربية، أبرزها السعودية، دعمت المعارضة السورية في سنوات النزاع الأولى وطالبت برحيل الأسد من السلطة، قبل أن تعود لتطبيع علاقاتها مع دمشق مؤخرا.
“قبلة الحياة” للجامعة
إضافة إلى تطبيع العلاقات مع دمشق، من المتوقّع أن تتصدّر جدول أعمال القمة أزمتان رئيسيتان: النزاع المستمر منذ شهر في السودان بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمّد حمدان دقلو، والنزاع المتواصل في اليمن منذ أكثر من ثماني سنوات.
وتنعقد القمة العربية وسط جهود حثيثة من السعودية لتعزيز موقعها الدبلوماسي في الشرق الأوسط وخارجه، وبعد تطبيع علاقاتها مع إيران بوساطة صينية في مارس إثر قطيعة.
ومذاك، استعادت الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا وكثّفت جهودها الدبلوماسية للدفع نحو السلام في اليمن حيث تقود تحالفا عسكريا ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، دعما للحكومة اليمنية.
ولعبت الرياض أيضا دورا مركزيا في عمليات إجلاء مدنيين من السودان حين اندلعت المعارك الشهر الماضي، وتستضيف حاليا ممثلين عن طرفي النزاع من أجل التوصل إلى هدنة.
وبالإضافة إلى التحديات الكبيرة التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط، سيكون على القمة العربية أن تأخذ في الاعتبار قضايا دولية مثل الحرب في أوكرانيا، حسبما كتب الأمين العام المساعد للشؤون السياسية الدولية بالجامعة العربية خالد منزلاوي، الأربعاء، في صحيفة “الشرق الأوسط”.
وقال منزلاوي: “لا بدّ من التأكيد أنَّه ستكون هناك حاجةٌ ماسةٌ للتوافق والتضامن بصورة جماعية…(في) هذه المرحلة بالغة الخطورة من تاريخ العالم، التي تشهد إعادةَ رسمِ خرائط العلاقات الدولية”.
ويتوافق هذا الطرح مع جهود السعودية الراهنة لتنويع تحالفاتها الدولية، مع توثيق العلاقات مع الصين وتعزيز التنسيق مع روسيا حول السياسات النفطية، ومحاولة الإبقاء على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، شريك المملكة الأمني منذ عقود.
تقول رابحة سيف علام، الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية في القاهرة، لوكالة فرانس برس، إنّ العالم في “لحظة دولية تشهد انسحاب القوى الكبرى من المنطقة وانشغالها بحرب روسيا”، ما تعتبره “قُبلة حياة للجامعة لتقوم بدورها كمحطة تنسيق للجهود الإقليمية لحل النزاعات في المنطقة”.
ويقول توربيورن سولتفيدت، من شركة فيرسك مايبلكروفت الاستشارية، إن القمة الناجحة ستشمل من وجهة نظر الرياض، التزامات ملموسة من سوريا بشأن قضايا من بينها ملف اللاجئين وتجارة الكبتاغون.
ويُعدّ تهريب المخدرات أحد أكبر مصادر القلق بالنسبة لدول خليجية، وخصوصا السعودية، التي باتت سوقا رئيسية لحبوب الكبتاغون المصنّعة بشكل رئيسي في سوريا.
لكن المحلل يشير إلى أن قمم جامعة الدول العربية “اتسمت في كثير من الأحيان بالخلاف الداخلي وعدم الحسم”، مضيفا: “بالتالي، فإن معيار النجاح سيكون منخفضا”.
المصدر: وكالات