حللت ورقة بحثية نشرها مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد (على شكل موجز للسياسات) عن “العملات الرقمية للبنوك المركزية.. أين نحن؟ وإلى أين نذهب؟” مسار “تحديث إعداد العملات الرقمية للبنك المركزي (MNBC) من قبل السلطات النقدية، وهي عملية تهم جميع البلدان الناشئة والنامية وكذا تلك الأكثر تقدما”.
الورقة، التي حررها الأكاديمي الاقتصادي الفرنسي، كريستيان دي بواسيو ( Christian de Boissieu)، عالجت الموضوع من خلال ثلاثة محاور، فضلا عن تقديم أكد فيه كاتبها أنه “في مواجهة صعود العملات المشفرة، فإن البنوك المركزية تتفاعل من خلال إطلاق عملاتها الرقمية الخاصة بها”.
وعرج مؤلف “موجز السياسات”، الذي اشتغل كمستشار سابق لدى البنك الدولي والمفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي، على مسألة تحليل الظروف وبعض العواقب (بالنسبة للبنوك، للشمول المالي، لإدارة السياسة النقدية…) لمثل هذا الابتكار المالي، والتمييز المنهجي بين العملات الرقمية للبنوك المركزية بالجملة ونظيرتها بالتقسيط.
واعتبر الباحث الرئيسي في مركز السياسات للجنوب الجديد، في تقديم موجز السياسات ذاته: “منذ المقال التأسيسي لعام 2008 بواسطة “S.Nakamoto”، والذي قدم في الوقت نفسه تقنية “بلوكتشين” وعملة “البيتكوين”، تطورت العملات المشفرة بسرعة؛ باعتبارها “أصولا نقدية رقمية ولامركزية ولدت من مبادرات ليس من السلطات النقدية ولكن من وكلاء من القطاع الخاص”، موضحا أن “هذا هو السبب في أنه باختصار، يمكننا التحدث عن العملات الخاصة على عكس العملات العامة أو الرسمية (أو ما يسمى بالعملات «الورقية”).
الأستاذ الفخري في تخصص “الاقتصاد النقدي والمالي” في جامعة باريس 1 (بانثيون-السوربون) سجل، ضمن ورقته، أن “الإشارة إلى العملات الخاصة تحتاج مزيدا من الدقة”؛ موردا السبب التالي: “لأن محافظي البنوك المركزية يشيرون غالبا إلى الأموال الخاصة على أنها أموال تنشئها وتديرها بنوك من الدرجة الثانية، على عكس أموال البنك المركزي”.
كما أكد دي بواسيو أن “العملة الرسمية، الموهوبة بالمناقصة القانونية وبالتالي سلطة التصريف، يتم تقديمها في الميزانية العمومية للبنك المركزي أو في الميزانيات العمومية للبنوك لا تغير بعدها العمومي والإلزامي ورقيا”، لافتا إلى أن “العملات المشفرة هي عملات خاصة فعلا للأسباب سالفة الذكر”.
تهديد وتحدٍّ
“بقدر ما تكون العملات المشفرة خصوصية وذات سرية (privée) ولامركزية (décentralisées)، فإنها تشكل تحديا، إن لم يكن تهديدا، للبنوك المركزية وسياستها النقدية”، أورد الرئيس الشرفي لـ”الجمعية المالية الفرنسية” شارحا ذلك بأنها “تتعدى قدرات القوة النقدية للدول، متجاوزة تنظيم المدفوعات والعرض النقدي من قبل البنوك المركزية، كما تفوق امتيازات منظمي السوق المصرفيين والماليين”.
فيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، ضرب مؤلف موجز السياسات المثال بأنه “يمكن استخدامها في بعض الحالات للتحايل على اللوائح المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.
“تشخيص” الراهن
قصد قياس هذه الظاهرة وتشخيصها في الظرف الراهن، اعتبر الخبير الاقتصادي الفرنسي، ضمن الوثيقة ذاتها الواقعة في 10 صفحات، أنه “من الضروري –منذ البداية– التمييز بين عنصرين منفصلين؛ بيد أنهما متكاملان في أغلب الأحيان”.
في هذه النقطة، ميز مؤلف “موجز السياسات” بين “العملات الرقمية للبنك المركزي” التي تعتمد “التجارة بالتقسيط أو التجزئة” (MNBC de détail (« retail »)، موضحا أنه “المقصود بها أن تكون متاحة للجميع ضمن المدفوعات والأداءات الحالية”؛ وبين “العملات الرقمية «بالجملة» (wholesale ) والتي تهم كل ما يرتبط بالعلاقات بين المصارف أو البين-بنكية عن طريق السوق النقدية مثلا.
عن حالات بعض الدول، أورد الباحث أن المملكة تشكلت بها لجنة في عام 2021 عهد إليها بـ”تقييم تكاليف ومزايا عملة رقمية يطلقها البنك المركزي (بنك المغرب)”، بينما أطلقت مصر في عام 2022 دراسة عن “الجنيه المصري الرقمي”.
مستعرضا حالات مقارنة لدول متعددة، استنتجت الورقة إلى أن “موضوع العملات الرقمية المعتمدة من طرف بنوك مركزية يقرب وجهات نظر البلدان الإفريقية، رغم التفاوت الحاصل زمنيا، في اتجاه “نهج حذر، تدريجي وعملي (براغماتي)، ما يعني دخولهم على خط المشكلة المشتركة على نطاق واسع في العالم”.
“مزايا وفوائد”
ختم الباحث ورقته بتعداد “بعض الفوائد المتوقعة من اعتماد البنوك المركزية لعملة رقمية خاصة بها”، منوها إلى أنها مزايا تظل “غير محصورة” بحكم تعددها.
أولى المزايا، حسب المصدر ذاته، تتمثل في “إدماج تكنولوجيات جديدة ضمن خطط ومناهج عمل البنوك والمصارف المركزية والسياسة النقدية”؛ بينما الفائدة الثانية تهم “الاحتفاظ بأموال البنك المركزي كمحور وظيفي لعمله ضمن المنظومة النقدية”.
“تعزيز الشفافية وإمكانية تتبع وتأمين عمليات الدفع النقدي والأداء المجراة إلكترونيا” هي الفائدة الثالثة حسب كريستيان دي بواسيو، مضيفا إليها “توسيع نطاق الشمول المالي”، فضلا عن “تقليص تكاليف المعاملات” وتعزيز الدور الدولي للعملة المحلية”.
المصدر: وكالات