ورغم ما كشفه تحقيق لأريج عام 2020، عن فوضى سوق المبيدات في الضفة الغربية، وما تبعه من تقرير رقابي رسمي العام التالي، إلا أن الواقع لم يتغير؛ من انعدام الرقابة، وغياب التوعية. وفي ظل هذا الواقع، ما زالت السلطة الفلسطينية تسمح باستيراد مبيدات محظورة أو مقيدة الاستخدام في الاتحاد الأوروبي.
وثق التحقيق استيراد الضفة الغربية 13 نوعاً من المبيدات المحظورة والمقيدة بشدة في الاتحاد الأوروبي، في الفترة بين 2018 و2023، وفق بيانات الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية (ECHA)، بداعٍ أن « ما هو ممنوع في أوروبا لا يعني حظره محلياً، وما دفع لحظره هناك ليس بالضرورة ينطبق علينا »، وفق وصف الجهات الرسمية في الضفة.
المبيدات المحظورة رسمياً داخل أسواق الاتحاد الأوروبي، منذ بداية القرن الحالي، متاحة بسهولة لصغار وكبار المزارعين -الذين يجهلون آثارها- في أسواق عدة دول بالجنوب العالمي، ومنها فلسطين، من دون إجراءات احترازية من الدول المصدرة أو المستوردة؛ ما يضع علامات استفهام حول أسباب استمرار تصديرها من قبل شركات المبيدات الأوروبية، رغم خطورتها على صحة الإنسان لتسببها في بعض الأمراض الخطيرة.
من بين تلك المبيدات المحظورة في أوروبا وتُروج في الضفة، مبيد « مانكوزيب »، الذي تم منعه محلياً عام 2012، لكنّ اللجنة العلمية الفلسطينية أعادت السماح باستخدامه عام 2017. وتبيعه شركتا « باسيف وسنجنتا » تحت أسماء مختلفة، مثل: « أكروبات »، و »ريدوميل جولد ام زد ». وتُسبب هذه المادة خللاً في الغدد الصماء للبشر، لأنها تغير التوازن الهرموني، وفقاً لتقرير الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية، الذي أدى إلى حظرها عام 2020 في أوروبا. وعلى الرغم من الأدلة العلمية المُحذرة من الأضرار التي يسببها « مانكوزيب » في الوظيفة الإنجابية للرجال والنساء، فإنه يباع في أسواق الضفة الغربية كمبيد فطريات ضد آفات محاصيل البطاطا والطماطم.
إشعارات التصدير إلى الضفة الغربية – فلسطين (2018 – 2023)
ينطبق الحال على مبيد آخر اسمه « إيميداكلوبريد »، المنتمي إلى مجموعة المبيدات الحشرية، التي تعمل على الجهاز العصبي المركزي للحشرات، فتسبب شللاً يقتلها خلال ساعات قليلة. لكنّ النباتات تمتص هذه الكيماويات الزراعية أيضاً، وهي أحد أسباب انخفاض أعداد الملقحات مثل النحل، وفقاً لعدة دراسات علمية. ولهذا السبب حظرته الأسواق الأوروبية، لكنّه يسوق في الضفة تحت علامات تجارية مثل « كنفيدور »، كأفضل حل ضد آفات البق والمن وغيرها من الحشرات، التي تهاجم محاصيل الطماطم والأفوكادو والمانجا والبرتقال وغيرها.
2.9 مليون لتر من مبيدات الآفات الزراعية استوردتها الضفة الغربية في الفترة بين 2021 حتى غشت 2023، وفق وزارة الزراعة. وبلغت قيمة واردات المبيدات عام 2021، 23 مليون دولار أمريكي، بحسب موقع OEC للإحصاءات العالمية.
معايير مزدوجة!
ينتقد باسكوت تونكاك، مقرر الأمم المتحدة السابق المعني بحقوق الإنسان والمواد والنفايات الخطرة، ما يراها « معايير مزدوجة » في التعاطي مع تصدير المبيدات السامة للدول الفقيرة، وحظرها في البلدان الغنية، بقوله: « عندما تقوم بعض أغنى البلدان في العالم بتصدير هذه المواد إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فإن ذلك يتجاوز النفاق؛ إنها ممارسة مؤسفة للغاية، وتنازل سياسي من أجل الصناعة، عندما تمت صياغة القوانين بحيث تقيد استخدام مواد معينة داخل أوروبا أو أمريكا الشمالية، تمت صياغتها بطريقة تسمح بتصنيع تلك المواد وتصديرها، لا يمكنك استخدامها داخلياً، ولكن يمكنك تصنيعها وشحنها إلى مكان آخر ».
ويقول الباحث المتخصص في شؤون الزراعة والغذاء بمنظمة Public Eye السويسرية، لورنت غابرييل: « هناك معايير مزدوجة وأمثلة واضحة على النفاق، لأن ما هو خطير جداً للاستخدام في أوروبا هو أيضاً خطير جداً للاستخدام في أيّ مكان ».
وليس أدل على ذلك من الحالة القائمة في الأراضي الفلسطينية، حيث الرقابة شبه معدومة وتوعية المزارعين ليست أولوية، ويُرجع مدير دائرة المبيدات في وزارة الزراعة الفلسطينية سلامة شبيب، ذلك إلى نقص الإمكانيات: « نحن في الدائرة عبارة عن ثلاثة موظفين بمن فيهم أنا… ويضاف إلينا مفتش في كل مديرية تابعة للوزارة، وعددهم 14 في كل الضفة… هذا العدد لا يفي بالغرض؛ لأن المفتش مسؤول عن المحال، والمشاتل، وإصدار الشهادات الصحية، ومتابعة اللجان، وتختيم المبيدات، و100 شغلة… بتصفّي الرقابة مشكلة ».
ويتفق عضو اللجنة العلمية المختصة بإقرار المبيدات المسموحة في الأراضي الفلسطينية سامر صوالحة، مع شبيب بالقول: « الرقابة بحاجة إلى إمكانيات، وهي ضعيفة لدينا، إلى جانب نقص الإمكانيات اللوجستية ».
ومع ذلك، كشف شبيب -وهو عضو اللجنة العلمية ممثلاً عن وزارة الزراعة- أن اللجنة العلمية بصدد مراجعة وتقييم كل المبيدات المستخدمة، واتخاذ قرارات بالسماح أو حظر الاستخدام.
لكنّ صوالحة (ممثل اللجنة عن وزارة الصحة)، يرى أنه يمكن التغلب على ضعف الرقابة بتوعية المزارع والرقابة على كمية المبيدات المستخدمة، وهذا -بنظره- أفضل من منع المبيدات بشكل عشوائي.
وبحسب صوالحة، فإن الشركات الكبرى للمبيدات تدفع الملايين لإجراء دراسات لفحص كفاءة أيّ مبيد تُنتجه، وهنا يجب على المزارع التقيد بالجرعة.
التباين في مواقف أعضاء اللجنة العلمية، أشار إليه تقرير رقابي صادر عن ديوان الرقابة المالية والإدارية في الضفة (مؤسسة حكومية وزارية) نهاية أكتوبر 2021؛ إذ خلص إلى ضعف فعالية أعمال اللجنة، لعدم وجود دليل إجراءات ينظم أعمالها، وعدم تحديث دليل المبيدات بما يتوافق مع الدراسات والأبحاث العالمية، بالإضافة إلى أن عدم تقييم المبيدات المتداولة، يسمح بانتشار مبيدات محظورة دولياً، لاحتوائها على مواد ضارة.
وعلى الأرض، لا يتبع المزارعون أيّ إجراءات وقائية أثناء رش المحاصيل بالمبيدات، ولا يتقيدون بالكميات المُوصى بها من قبل الشركات المُصنِّعة، وفق ما وثقه التحقيق عبر جولات في الأغوار الشمالية المسماة « سلة خضار فلسطين ».
تختص اللجنة العلمية الفلسطينية بما يلي:
تحديد أنواع المبيدات الزراعية المسموح بتداولها وطرق استخدامها.
تقييم المبيدات الزراعية الموجودة في المناطق الفلسطينية وإعادة تسجيلها.
وضع آلية لمراقبة وضبط جودة المبيدات الزراعية المتداولة.
دراسة أيّ موضوعات تعرض عليها من الجهات المعنية وإصدار التوجيهات بشأنها.
ديوان الرقابة المالية والإدارية الفلسطيني
« ضعف عملية الإرشاد والتوعية حول استخدام المبيدات بالطرق الآمنة، واقتصار عملية الإرشاد على مناطق زراعية محددة دون شمولية كافة المحافظات، قد يؤثر في صحة المواطنين وسلامة المنتجات الزراعية، والبيئة المتمثلة بالتربة والمياه الجوفية ».
الربح فقط!
تُعدّ لائحة البرلمان الأوروبي لتسويق مبيدات الآفات (EC 1107/2009) واحدة من أشد التشريعات صرامة في هذا المجال على مستوى العالم، لكنّ لورنت غابرييل يرى أن هذه التشريعات تغطي فقط استخدام هذه المبيدات في أوروبا، بصرف النظر عن تصديرها خارج أوروبا؛ ما سمح للشركات -بشكل أساسي- بالاستمرار في صنع هذه المبيدات، لتصديرها إلى البلدان التي لا تزال تسمح باستخدامها، بما في ذلك دول شمال إفريقيا، وفق غابرييل.
في تقرير باسكوت تونكاك، مقرر الأمم المتحدة السابق المعني بحقوق الإنسان والمواد والنفايات الخطرة؛ يؤكد -مع 35 من زملائه الخبراء في مجلس حقوق الإنسان- ضرورة وقف تصدير الدول الغنية موادها الكيميائية السامة المحظورة إلى الدول الفقيرة، حيث القوانين الأقل صرامة.
ويضيف التقرير أن « الاتحاد الأوروبي يواصل تصدير مبيدات الآفات والمواد الكيميائية الصناعية السامة هذه، ما يؤدي إلى انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في الحياة والكرامة والتحرر من المعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل ».
« مبيدات الآفات التي يُروج لها بشدة تُعد شاغلاً عالميا من شواغل حقوق الإنسان، ويمكن أن يفضي استخدامها إلى عواقب وخيمة جداً تمس التمتع بالحق في الغذاء، وهي مسؤولة عن نحو 200 ألف حالة وفاة سنوياً جراء التسمم الحاد، منها 99% في البلدان النامية ».
تجارة الموت
وفق تقرير منظمة الصحة العالمية، فإن هناك أكثر من ألف نوع من مبيدات الآفات يجري استخدامها في جميع أنحاء العالم؛ لضمان عدم تضرر المحاصيل الغذائية أو تلفها بسبب الآفات. ولكل مبيد من هذه المبيدات خصائص مختلفة وآثار سُمية متباينة.
وكشف تقرير نشرته منظمتا « غرينبيس » البيئية وPublic Eye، غير الحكوميتين عن تصدير نحو 82 ألف طن من المبيدات شديدة الخطورة عام 2018، خارج الاتحاد الأوروبي؛ إذ تم حظر هذه المبيدات في دول الاتحاد بسبب « المخاطر غير المقبولة التي تشكلها على صحة الإنسان والبيئة ».
وذكر التقرير أن المملكة المتحدة، وإيطاليا، وهولندا، وألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وإسبانيا، تستحوذ على أكثر من 90 في المائة من هذه الصادرات، كما أن ثلاثة أرباع البلدان المستوردة لهذه المبيدات المحظورة -البالغ عددها 85 دولة- هي بلدان منخفضة أو متوسطة الدخل، حيث يُسمح باستخدام هذه المواد رغم مخاطرها.
رد المفوضية الأوروبية
تواصلنا مع مفوضية الاتحاد الأوروبي، وردت بأنها تدرس حالياً خيارات مختلفة لضمان عدم إنتاج وتصدير المواد الكيميائية الخطرة، المحظورة داخل الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك مراجعة التشريعات.
كما أوضحت المفوضية أن الاتحاد الأوروبي يقوم أيضاً بدور استباقي في تشجيع التخلص التدريجي من استخدام مبيدات الآفات التي لم تعد معتمدة في الاتحاد الأوروبي، وتشجيع المواد منخفضة المخاطر وبدائل مبيدات الآفات على مستوى العالم، من خلال عرض هذه المناقشة على المجتمع الدولي.
وأضافت المفوضية أن فرض حظر على الصادرات من الاتحاد الأوروبي، لا يعني تلقائياً توقف دول العالم الثالث عن استخدام هذه المبيدات؛ بل قد يستمرون في استيرادها من أماكن أخرى. ولذلك فإن إقناع هذه البلدان بعدم استخدام مثل هذه المبيدات الحشرية يظل أمراً بالغ الأهمية.
فخ اتفاقية روتردام
« الهـدف مـن هـذه الاتفاقية (روتردام) هـو تشجيع المشـاركة في المسؤولية وفي الجهود التعاونية فيما بين الأطراف في الاتجار الدولي بمواد كيميائية خطرة معينة بغية حماية صحة البشر والبيئة من الأضرار المحتملة »، وفق الاتفاقية.
بحسب وكالة الكيمياء الأوروبية، تنظم لائحة الموافقة المسبقة التي دخلت حيز التنفيذ في مارس 2014، تجارة بعض المواد الكيميائية الخطرة المحظورة أو المقيدة بشدة في الاتحاد الأوروبي. وتفرض التزامات على الشركات التي ترغب في تصدير هذه المواد الكيميائية إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي أو استيرادها داخله.
كما تُعدّ الموافقة المسبقة (PIC) تنفيذاً لاتفاقية روتردام داخل الاتحاد الأوروبي، وهي تعمل على تعزيز المسؤولية المشتركة والتعاون في التجارة الدولية للمواد الكيميائية الخطرة. كما تحمي صحة الإنسان والبيئة من خلال تزويد البلدان المستوردة بالمعلومات حول كيفية تخزين المواد الكيميائية الخطرة، ونقلها واستخدامها والتخلص منها بشكل آمن، وفق موقع الاتفاقية على الإنترنت.
قبل شحن مبيداتها إلى الخارج، يتعين على المُصدرين المقيمين في إحدى دول الاتحاد الأوروبي إخطار السلطة الوطنية -التي تقوم بعد ذلك بإبلاغ وكالة الكيمياء الأوروبية- بالكميات المراد تصديرها. إخطارات التصدير هي البيانات العامة التي توضح حجم التجارة الدولية في هذه المواد الكيميائية المحظورة، وذلك بحسب قواعد التصدير الأوروبية.
يشير باسكوت تونكاك، مقرر الأمم المتحدة السابق المعني بحقوق الإنسان والمواد والنفايات الخطرة، إلى أن اتفاقية روتردام تحولت إلى « درع » تستخدمه الشركات والدول، ويرى أن هذه الاتفاقية لم تعمل كما كان من المفترض لأكثر من 15 عاماً.
وحينما تُلقى الكرة في ملعب الدول المستوردة لاتخاذ قرارات بحظر أو استيراد المبيدات الممنوعة في أوروبا؛ تسمح غالباً (ومنها فلسطين) بدخولها، لأن المعايير مختلفة بين الدول المصدرة والمستوردة. وهو ما أشارت إليه دعاء عبد الله، عضوة اللجنة العلمية، سلطة جودة البيئة الفلسطينية، بالقول: « حسب اتفاقية روتردام، وصلتني مؤخراً إشعارات لإدخال عشرة مبيدات، وهي مسجلة في فلسطين »، مشيرة إلى أنه تتمّ دراسة هذه المبيدات واتخاذ قرارات بشأنها.
وبشأن السماح بدخول مبيدات محظورة أوروبياً إلى الضفة الغربية، تقول عبد الله: « ليس بالضرورة أن كل مبيد محظور أوروبياً، يُمنع محلياً، فالمعايير الصحية والبيئية مختلفة… هل متوفر بديل؟ عندهم مزارع نحل ومصادر مياه وبحار ».
ويتشارك صوالحة الرأي مع عبد الله في جزئية اختلاف المعايير بين أوروبا وفلسطين: « هناك كثير من المبيدات الممنوعة في أوروبا لأسباب لا تنطبق علينا، وأنا غير مهتم بها… تُمنع لتأثيرها في المسطحات والأحياء المائية، لا توجد لدي بحيرات وأنهار وجداول، لماذا أمنعها عندي… في الضفة لا توجد بحار ولا أسماك حتى أخاف عليها ».
لكنّ المهندس الزراعي الفلسطيني سعد داغر (متخصص بالزراعة البيئية)، وصف تلك المبررات بـ « العقيمة »، وأبدى استغرابه من القول إن المنع في أوروبا يأتي بسبب اختلاف المناخ: « غريب ومثير، وكأنّ مناخ بلادنا يجعل تلك المبيدات أقل خطورة على الصحة والبيئة من مناخ أوروبا ».
يعاني عامل إلى ثلاثة عمال زراعيين من كل مائة عامل في جميع أنحاء العالم من التسمم الحاد بمبيدات الآفات، وغالباً ما يكون المراهقون هم الضحايا، وفقاً لتقرير التّسمم بمبيدات الآفات لدى الأطفال، لعام 2004، الذي نشره برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
أباطرة المبيدات
في ماي 2020، أطلق الاتحاد الأوروبي استراتيجية « من المزرعة إلى الشوكة » (F2F)، التي تحدد الخطوط العريضة نحو الالتزام بتعزيز التحول العالمي إلى النظم الغذائية المستدامة -ليس فقط داخل حدودها، ولكن أيضاً في الخارج- بهدف الحفاظ على طعام صحي للمواطن الأوروبي في المقام الأول، مع عدم الاكتراث بتصدير المبيدات الممنوعة إلى الدول الفقيرة.
لكنّ شركات المبيدات عملت من خلال تجمع كروب لايف (يضم كبرى شركات المبيدات) على الترويج للآثار الوخيمة لهذه الاستراتيجية. ويقول لورنت غابرييل، الباحث المتخصص في شؤون الزراعة والغذاء: « إنهم يعتمدون على الدراسة المقدمة والممولة من هذه الشركات، التي لا تهتم بإظهار أيّ مشكلة، ولهذا السبب أيضاً لا تزال هناك مبيدات سامة كثيرة بالأسواق الأوروبية ».
شركات الكيماويات الزراعية « باير » و »باسف » و »كورتيفا » و »سينجينتا » و »FMC » من أكبر شركات المبيدات في العالم. وعلى الرغم من وجود منافسة بينها، تتعاون هذه الشركات لتكثيف جهود الضغط الخاصة بها.
وبحسب تونكاك، فهذه الشركات تمتلك أدوات للضغط: « إنه لوبي قوي… ليس هناك شك، ونتيجة لذلك، أصبحت صناعة الكيماويات الزراعية مربحة وقوية بشكل لا يصدق ».
من جهتها، تقول ميشيلا ريفاسي، عضوة البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر الفرنسي (EFA)، إن لوبي المبيدات يتحايل على القانون، وهو بصدد تصنيع منتجاته خارج أوروبا وبيعها لدول خارج الاتحاد: « هناك دائماً طرق ملتوية يستخدمها لوبي المبيدات، فهم يقولون لسنا نحن، بل حكومات تلك الدول (المستوردة) هي التي توافق على استخدام المبيدات المحظورة ».
وبحسب لورنت غابريل، فإن هذا اللوبي يستخدم الحجة الكلاسيكية، بقوله إن حظر هذه المبيدات سيؤثر في العمالة داخل أوروبا، وسيدمر الصناعة الكيميائية الأوروبية، التي هي بالفعل في وضع صعب بالنظر إلى السياق العالمي؛ ولذا فهي ليست اللحظة المناسبة لخلق عقبات جديدة للصناعة الكيميائية في أوروبا، كما يدّعون.
غسل السموم
تعد كروب لايف إنترناشونال (CropLife International) أداة لأباطرة المبيدات « لغسل أيديهم من آثار سمومهم البيئية والصحية ». وعند النظر إلى مجلس إدارة كروب لايف، نجد أن رئيسه هو رئيس شركة باسف، وأما الأعضاء فهم: المدير التنفيذي لشركة FMC، والمدير التنفيذي لشركة سينغنتا، والمدير التنفيذي لكورتيفا، وعضو مجلس الإدارة ورئيس شعبة علوم المحاصيل لشركة باير، والمسؤول التنفيذي والإداري لشركة Sumitomo Chemical Co اليابانية.
يشير تقرير لمؤسسة كروب لايف إنترناشونال إلى ضرورة عدم رفع مبيدات الآفات شديدة الخطورة مباشرة من السوق. وجاء في التقرير: « بصرف النظر عن أضرار هذه المبيدات، إلا أنها موجودة، وتُستخدم لأنها أداة مهمة تُقلل من خسائر المحاصيل، وتدعم سبل عيش المزارعين ».
ويوصي التقرير باستخدام هذه المبيدات في حال عدم وجود بديل قابل للتطبيق؛ لأن المزارعين بدونها سيكونون أقل قدرة على إنتاج ما يكفي من الغذاء لنمو السّكان، وأقل احتمالاً للحصول على دخل كافٍ لدعم عائلاتهم.
ويشير باسكوت تونكاك إلى أن هذا اللوبي يستخدم -بشكل غير عادل- استراتيجية التخويف، قائلاً: « إذا لم يكن لدينا هذه المواد الكيميائية، سنواجه حالة لا تصدق من انعدام الأمن الغذائي، وسنفقد سبل العيش ».
في المقابل، تنفي كروب لايف إنترناشونال على صفحتها أيّ علاقة لها بكونها مصدر مبيدات الآفات شديدة الخطورة في البلدان النامية، وتقول: « يجب الاعتراف بأن أغلبية مبيدات الآفات شديدة الخطورة في العالم النامي، يتمّ إنتاجها وبيعها من قبل شركات ليست أعضاء في CropLife International ».
ويرد لورنت غابرييل بالقول: « تمكّنا قبل سنوات من إظهار أنهم (كروب لايف) يكسبون الكثير من المال، من خلال بيع تلك المبيدات الخطرة المحظورة، وتقديرنا أنهم يحققون ما بين 25 إلى 40 في المائة من مبيعاتهم من خلال ما يسمى مبيدات الآفات عالية الخطورة « .
تواصلنا مع « كروب لايف » للتعليق على الاتهامات الموجهة إليها؛ لكنّنا لم نتلقَ رداً حتى تاريخ نشر التحقيق.
ما الحل؟
باسكوت تونكاك، مقرر الأمم المتحدة السابق المعني بحقوق الإنسان والمواد والنفايات الخطرة، يشير إلى ضرورة وجود إرادة سياسية: « إذا كان هناك حل لمشكلة تجارة المبيدات الخطرة المربحة فسيكون سياسياً ».
أما لورنت غابرييل، الباحث المتخصص في شؤون الزراعة والغذاء، فيحمّل الاتحاد الأوروبي مسؤولية كبيرة، لتغذية الأسواق في جميع أنحاء العالم بتلك المبيدات.
من جانبها، تقول ميشيلا ريفاسي، عضوة البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر الفرنسي (EFA)، إن على أوروبا أن تكترث لصحة الناس، سواء في أوروبا أو خارجها، من دون أن تستخدم معايير مزدوجة.
وعلى الجهة الفلسطينية، يرى عضو اللجنة العلمية بالضفة الغربية سامر صوالحة، أن الحل يكمن في استيراد المبيدات فقط من الدول التي لديها نظام تسجيل متطور، واختيار المبيدات الأكثر فعالية والأقل ضرراً، إلى جانب التشديد على توعية المزارعين من خلال وزارة الزراعة.
فيما قال سلامة شبيب، مدير دائرة المبيدات في وزارة الزراعة، إن اللجنة العلمية بصدد إعداد دليل جديد للمبيدات المسموح بتداولها في الأراضي الفلسطينية، ضمن آلية جديدة؛ تشترط أن تقوم الشركات المستوردة بإحضار شهادة تسجيل المبيد في بلد المنشأ « حتى لا ندخل مبيدات ممنوعة في بلد التصنيع ».
ورغم خطورتها، لا تزال أنوع كثيرة من المبيدات المحظورة في أوروبا تجد طريقها إلى بلدان عربية عديدة، عبر نظام قانوني أوروبي، وتشريعات تغض الطرف عمّا يصدَّر إلى الخارج من هذه السموم.
ومع إخفاق تمرير تعديلات على قانون تصدير المبيدات الخطيرة خارج الحدود الأوروبية؛ تستمر شركات المبيدات في حصد مليارات الدولارات على حساب الصحة والبيئة، في وقت لا تتوفر فيه إحصاءات واضحة عن آثار هذه المبيدات في الدول الفقيرة.
المصدر: وكالات