منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا مازال “الارتفاع المستمر” سمة مُلازمة لأرقام أسعار الغذاء؛ وهو ما أكدته أحدَثُ بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) التي طالعتها جريدة هسبريس بخصوص مؤشر أسعار الغذاء العالمي في شهر يوليوز 2023.
ورغم انخفاضات تخللت مسار مؤشر أسعار الأغذية في الإثني عشر شهراً الماضية، بلغ المؤشر “معدلا متوسطا” في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 18.2 في المائة في الشهر الماضي؛ بينما استمر المغرب ضمن “زُمرة” الدول التي شهدت تضخم أسعار المواد الغذائية المحلية بشكل لافت، بنسبة ارتفاع لمؤشر أسعار الغذاء قدَّرَتْها ‘الفاو” بـ 15.3 في المائة.
المؤشر المُستخدم لقياس التغير الشهري في الأسعار الدولية لسلّة السلع الغذائية الأساسية التي تتكون من أبرز المواد الغذائية الأكثر استهلاكاً يعد أداة معتمدة لتحليل توجهات وأحجام الاستهلاك في علاقة بالعرض والطلب على كل مادة غذائية.
“ارتفاع طفيف” عالمياً
المنظمة الأممية ذاتها وصفت ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الغذائية في يوليوز بـ”الطفيف”، عازية ذلك بالأساس إلى “وقف تنفيذ مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب التي توسطت فيها الأمم المتحدة وتركيا لإعادة ضخ صادرات الأغذية والأسمدة الحيوية من أوكرانيا إلى بقية العالم، بالموازاة مع فرض قيود تجارية جديدة على مادة الأرز” في عدد من الأسواق المنتجة له بشكل كبير.
متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية، الذي يتتبع التغيرات الشهرية في الأسعار الدولية لسلة من السلع الغذائية الأكثر تداولا، بلغ ما مجموعه 123.9 نقاط في يوليوز؛ أي بزيادة نسبتها 1.3 في المائة (ما يعادل 1.5 نقطة) مقارنة بالشهر السابق، إلا أنه “بقي في 11.8 في المائة دون مستواه المسجل في يوليوز 2022″ (سنة قبل ذلك)، وفق ما أوضحته المنظمة ذاتها على موقعها الرسمي.
ارتفاع شهر يوليوز لخّصته المنظمة كـ”نتيجة للارتفاع الكبير في مؤشر أسعار الزيوت النباتية، الذي عوّض عنه جزئياً الانخفاض الملحوظ في مؤشر أسعار السكر، إلى جانب انخفاضات طفيفة في مؤشرات كل من أسعار الحبوب ومنتجات الألبان واللحوم”.
“سَببان يفسّران الارتفاع”
وفي تحليله للأرقام، وقراءة للمعطيات الواردة في مؤشر الفاو، قال إدريس الفينا، خبير اقتصادي أستاذ جامعي بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط، إن “هناك بالفعل استمرارا ملموساً لارتفاع أسعار المواد الغذائية في المغرب”.
وبسط الخبير الاقتصادي المغربي ذاته، ضمن إفادات لجريدة هسبريس، وجود “سببيْن أساسيين” يقفان خلف هذا الارتفاع المطرد لأسعار الغذاء في أسواق المملكة، مؤكدا أن “السبب الأول هو استمرار آثار الجفاف وموجاته المتتالية، مع ما يرافقه من كلفة الماء المرتفعة التي أدت إلى نقص تزويد السوق المحلي؛ وبالتالي ندرة بعض المواد والأصناف الغذائية وارتفاع أسعارها”.
أما السبب الثاني، في نظر أستاذ الاقتصاد، فراجعٌ إلى “استمرار ارتفاع أسعار المواد الطاقية”، لافتا إلى “العلاقة القائمة بين كلفة النقل وثمن المواد الطاقية”، ومؤكدا أنه “لا يجب إغفال الأمر نظرا لتسببه في موجة الارتفاع التي رصدتها أرقام ‘الفاو’ الأخيرة”.
وزاد الفينا أن “موجة الجفاف الاستثنائية التي يمر منها المغرب هي العامل الأساسي والعنصر الحاسم في استمرار ارتفاع المواد الغذائية إلى حدود اليوم، وعدم استفادة السوق الوطنية من التراجع العالمي الحاصل في الأشهر التي مضت”.
وبخصوص أرقام المؤشر في دول المشرق العربي فخلص المحلل الاقتصادي نفسه: “إنها دول مازالت تتبع في العموم سياسة استيراد مكنتها من تراجع أثمان بعض المواد”، واستطرد مذكراً في حديثه لهسبريس: “المشتريات من الخارج، لاسيما مواد الغذاء المستوردة بكميات كبيرة جدا، تكون في غالب الأحيان عبارة عن مشتريات مؤجَّلة ولا تتم بشكل مباشر؛ ما يستدعي أن تأخذ حيز زمنيا (يمتد بين 3 إلى 4 أشهر) قبل أن نرى أثرها في الأسعار بالسوق المغربية”.
يشار إلى أن تقريرا سابقا للفاو توقع أن تعرف مناطق شاسعة من المغرب “محاصيل أقل من المتوسط”، كما أن “مناطق شمال شرق المغرب تتوقع فشلًا تاماً في المحاصيل بسبب استمرار الجفاف الموسمي وارتفاع درجات الحرارة”، مبرزا أن “آفاق القمح مازالت ضعيفة بسبب مزيج من الجفاف الموسمي ودرجات الحرارة فوق المتوسط التي أثرت سلبًا على مراحل نمو المحاصيل، ما أدى إلى تسريع شيخوختها بالمغرب”؛ كما لفت إلى “إلغاء المغرب ضريبة القيمة المضافة على المدخلات الزراعية للمساعدة في خفض أسعار المواد الغذائية”، في إطار الجهود المبذولة لوقف سلسلة التضخم.
المصدر: وكالات