بحفاوة كبيرة، استقبل المهتمون بالشأن الطاقي بالمملكة خبر استحواذ الشركة المغربية “مناجم” على غالبية أسهم فرع الشركة البريطانية “ساوند إنرجي” النشط منذ مدة في مجال التنقيب عن الغاز الطبيعي بالمملكة، وهو ما تم اعتباره “خطوة كبرى من أجل ضمان الاستقلالية الطاقية الوطنية عن الفاعلين الأجانب تنقيبا وإنتاجا”.
وتم خلال الأسبوع الماضي الإعلان عن تفاصيل الصفقة بين الشركتين التي وصلت إلى 12 مليون دولار أمريكي، على أن تتحمل الشركة البريطانية مسؤولية توفير تمويلات تصل إلى 24,5 مليون دولار أمريكي وقت تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع استغلال حقل “تندرارة”، وهو ما تم تبريره بـ”ضرورات تطوير الإنتاج في حقل الغاز الطبيعي ذاته الذي يُرتقب أن يبدأ الإنتاج به سنة 2025 بطاقة تبلغ 100 مليون متر مكعب سنويا”.
واستنادا لهذه العملية التي وصفت بـ”غير المسبوقة”، ستستحوذ شركة مناجم المغربية على 55 في المائة من رخصة استغلال حقل تندرارة و47,5 في المائة من رخصة التنقيب في حقل “تندرارة الكبير”، فضلا عن 47,5 في المائة كذلك من رخصة التنقيب على مستوى حقل “أنوال”.
وذكر بلاغ للشركة المغربية أنه مع إتمام الصفقة، ستستحوذ على 55 في المائة من ملكية مشروع “تندرارة”، على أن تذهب 20 في المائة من الأصول لشركة “Sound Energy Meridja Ltd”، بينما يرتقب أن يستحوذ المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن بدوره على 25 في المائة من المشروع.
تأتي هذه الصفقة في إطار السعي المغربي لتسريع وتيرة التنقيب عن الغاز الطبيعي بعدد من الحقول الوطنية لبدء الإنتاج الفعلي عما قريب بما يمكّن من تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذا المصدر الطاقي، وتنويع مصادر الطاقة الوطنية في أفق الوصول إلى تحقيق المزيج الطاقي بحلول سنة 2030.
نحو تحقيق الاستقلالية
من منطلقه كدكتور باحث في المجال الطاقي، أكد فؤاد الزهراني أن “الفرع البريطاني لشركة صاوند انيرجي كان بحاجة إلى تمويلات من أجل تطوير آلياته وأنشطته التنقيبية، في حين إنه مع هذه الصفقة الجديدة يرتقب أن يكون لدينا عملاق مغربي مختص في التنقيب عن الغاز الطبيعي وكل ما يتعلق به من دراسات وأبحاث وبنية تحتية؛ فنحن هنا نتحدث عن توجه نحو ضمان الاستقلالية الذاتية للطاقة المغربية بما سيعطي الحيوية لعمليات التنقيب بعدد من الحقول”.
ولفت الزهراني، مصرحا لهسبريس، إلى أن “هذه الخطوة كان المغرب مضطرا إلى الخوض فيها على اعتبار أنها تروم التحكم في قطاع حيوي واستراتيجي يتعلق بضمان الأمن الطاقي للمملكة في زمن التقلبات الدولية، حيث إن الاستحواذ على غالبية أصول الشركة البريطاني يعني بطريقة مباشرة ضح رساميل كبرى ستمكن من تطوير عمليات التنقيب واستخراج الغاز، وحتى معالجته وربطه بالبنية التحتية التي سيتم من خلالها توزيعه لتستفيد منه الصناعة المغربية”، مؤكدا أن الشركة المغربية ستحاول إعادة الاستراتيجية نفسها التي اشتغلت بها في قطاع التعدين، مما يمكن أن يحقق نتائج ايجابية”.
وذكر المتحدث أن استحواذ الشركة المذكورة على غالبية فرع صانود إنيرجي، “يعني أن المملكة ستتوفر مستقبلا على رائد في الصناعات الغازية، الذي تحتاج إليه أساسا سيرا على منوال ما حدث بقطاع الفوسفاط، إذ من المرتقب أن نشهد تدفقا للاستثمارات بهدف تسريع وتيرة عمليات التنقيب بعدد من حقول المملكة، في وقت يظل الغاز الطبيعي من أهم المصادر الطاقية الأقل تلويثا للبيئة والتي ستمكننا من بلوغ المزيج الطاقي في سنة 2030”.
جزء من استراتيجية وطنية
على النحو ذاته سار عبد الصمد ملاوي، خبير دولي في قطاع الطاقة، مؤكدا أن “اقتناء الشركة المغربية لفرع صاوند انيرجي البريطانية أمر لافت للانتباه بخصوص الشأن الطاقي بالمملكة، إذ من المرتقب أن تكون له تأثيرات كبيرة وإيجابية على أوراش التنقيب عن الغاز الطبيعي بالمغرب، بما يخلق دينامية في التنقيب والدراسات، في وقت ستكون الشركة المغربية مسؤولة عن رخص التنقيب والاستغلال في آن واحد، وهو ما يترجم رغبة مغربية في تحقيق تقدم في أوراش طاقية بالبلاد”.
وكشف ملاوي، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الصفقة ستمكن من معالجة التعثرات التي يعرفها التنقيب عن الغاز الطبيعي بالمغرب من خلال تعزيز التنافسية والاستثمارات وتطوير التكنولوجيا وتحسين الكفاءات المشاركة في عمليات التنقيب والبحث عن الغاز الطبيعي ببعض حقول المملكة”، مردفا بأن “الصفقة من المنتظر كذلك أن تؤدي إلى زيادة الإنتاج وتوفير فرص الشغل والعمل في قطاع الطاقة بالنسبة للمغاربة”.
وربط المتحدث هذا الاستحواذ بـ”استراتيجية مغربية عامة وكبرى تهدف إلى تعزيز القطاع الطاقي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي عبر تحقيق تقدم في أوراش التنقيب بما يخدم بلورة أهداف التنمية المستدامة وتنويع المصادر الطاقية”، خالصا إلى أنه “من المرتقب أن تكون شركة مناجم المغربية بعد هذه الصفقة التجارية فاعلا رئيسيا في مجال التنقيب، مما يجعل منها ركيزة أساسية في تحقيق الانتقال الطاقي بالمغرب، ومن ثم الانفتاح على القارة ككل”.
المصدر: وكالات