بعد إحصائيات المديرية العامة للأمن الوطني، في حصيلتها السنوية، التي أكدت بالأرقام ارتفاع حوادث السير في المدن المغربية خلال سنة 2023 وسقوط 993 قتيلا في حوادث سير بالمجال الحضري، تجدد التأكيد الوزاري هذه المرة على زيادة تبدو مهولة في قتلى حوادث الطرق، في ظرف 10 أشهر فقط.
الإقرار الرسمي تجدد هذه المرة باستمرار “فداحة حرب الطرق” وكلفتها البشرية والمادية واللوجستية على لسان محمد عبد الجليل، وزير النقل واللوجستيك، الذي أكد أن “الإحصائيات المؤقتة للأشهر العشرة الأولى من سنة 2023 تشير إلى ارتفاع عدد قتلى حوادث السير بنسبة 9,5 في المائة مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2022”.
هذه الأرقام المحينة الرسمية أوردها عبد الجليل الذي ترأس أشغال الدورة العاشرة للمجلس الإداري للوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، يوم الجمعة الماضي، مفيدا بأن تحليل المعطيات الإحصائية لحوادث السير بين 2022 و2015 باعتبارها سنة مرجعية للاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية سجل انخفاضا في عدد القتلى بنسبة 22,47 في المائة لدى كل الفئات مجتمعة، باستثناء فئة الدراجات بمحرك التي عرفت ارتفاعا في عدد القتلى بنسبة 31,14 في المائة خلال الفترة نفسها.
يسائل هذا الارتفاع لحوادث السير ليس فقط “السلامة المرورية” –كما أثارت هسبريس الموضوع في مقال سابق نهاية العام المنقضي-؛ بل يمس مباشرة، وضمن منظور أعم، السياسات العمومية للسلامة الطرقية التي تعد وزارة النقل ساهرة على تنفيذها بالإضافة إلى متدخلين آخرين.
على الرغم من أن بلاغ وزارة النقل واللوجستيك أشار ضمنيا إلى “تقدم تنفيذ ‘برنامج عمل الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية’ (نارسا)، برسم 2023 مع “إنجاز ومواصلة تنفيذ مجموعة من المشاريع (تعزيز تدبير السلامة الطرقية على المستوى الجهوي والمحلي، واعتماد برنامج جديد لتجديد حظيرة الحافلات وشاحنات نقل البضائع) إلى جانب “مواصلة البرنامج الوطني للمراقبة الطرقية، وتثبيت الرادارات الثابتة لضبط مخالفات السرعة، بالإضافة إلى رادارات محمولة لمراقبة السرعة من طرف مصالح المراقبة”؛ فإن نسبة الزيادة في عدد المتوفين وضحايا حوادث السير والجوَلان تضع كل هذه التدابير الوزارية والمجهودات المبذولة “محط تساؤل كبير”.
“أرقام مقلقة ومأساة اجتماعية”
يونس أبو السباع، رئيس اتحاد جمعيات السلامة الطرقية بالمغرب، علق على هذه الأرقام المذكورة بأنها “تظل أرقاما مقلقة جدا؛ لأن الأمر يتعلق بأرواح بشرية ونسبة ارتفاع قتلى الطرق 9.5 في المائة في 10 أشهر فقط ليست بالهينة”.
واعتبر أبو السباع، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الزيادة، التي همت كلا من المجال الحضري وغير الحضري، في عدد المواطنين والمواطنين الذين تُوُفوا في حوادث على الطرق المغربية خلال مجمل أشهر 2023 تُقدر عند احتسابها بـ 350 قتيلا جديدا”؛ وهو ما يجب عدم النظر إليه كرقم مجرد فقط، بل هناك مآس خلفَها وراءه”.
وبصرف النظر عن الآثار والتكلفة الاقتصادية التي تبقى أيضا “مهمة”، حسب الفاعل المدني ذاته، فإنه يستدرك: “لكن المأساة الاجتماعية تبقى مُلاحِقَة وملازِمة للأسر والعائلات المغربية التي تتحمل كلفة هذه الحوادث وذهاب ضحايا نتيجة أخطاء بشرية في الغالب”.
وأجمل الفاعل المتخصص في مجال التحسيس بالسلامة الطرقية عددا من أوجه القصور في “التشريع الخاص بمدونة السير وكذا المسؤولين المباشرين عن معالجة النقاط السوداء في كل نقاط السير، سواء تلك الواقعة على طرق تابعة لنفوذ مديريات إقليمية أو جهوية للتجهيز والنقل أو تلك الطرق التابعة للجماعات الترابية”، مشددا على فكرة أن “العامل البشري يجب عدم حصره في مستعمل الطريق وحده؛ بل هناك مسؤولون عن التشوير الطرقي، وآخرون عن وضع التصميمات الحضرية”.
ودعا المصرح لهسبريس إلى “ملاءمة التشريعات مع حظيرة العربات أو الشبكات الطرقية بصفة أعم يظل مطلبا ذا راهنية في ظل التغيرات التي تعرفها المنظومة الطرقية المغربية، دون إنكار تدخلات عدد من الفاعلين ومجهوداتهم”، مسجلا أن “هناك حلقة مفقودة ضرورية لانخفاض حوادث السير وبالتالي عدد ضحاياها، وجعل طرق آمنة عبر نهج العمل الاستباقي/الوقائي”.
“أهداف غير مُحققة تسائل الوزارة”
مقابل إشادته بالاستراتيجية الوطنية الثالثة التي تعد مرجعية أساس لمحاربة حوادث السير وتهم عددا من القطاعات الحكومية، فإن الفاعل سجل بأسف ارتفاعا مهولا في عدد القتلى من أصحاب الدراجات النارية مؤكدا أن ذلك يظل بعيدا عن هدف نصف مرحلي للاستراتيجية لتخفيض عدد القتلى بناقص 25 في المائة وبـ50 في المائة بحلول 2026″؛ فيما عرفت النسبة ارتفاعا بـ31,14، أي أن قرابة الثلثين من القتلى هم من سائقي “الدراجات بمحرك”.
وفيما يخص “برنامج الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية”، أشاد أبوالسباع بـ”مجهوداتها وعملها منذ تحولها المؤسساتي ورفع مكانتها من لجنة إلى وكالة مختصة”؛ غير أنه طالَب بـ”استقلالية مادية ومعنوية تامة، وتكون هي الوصي على نفسها لضمان تحييد برامجها متأثرة بأجندة سياسية أو عهد وزير بعينه”.
من جهته، قرَع إلياس سليب، رئيس المرصد الوطني للسلامة الطرقية بالمغرب، جرس الإنذار بشأن “استراتيجية وطنية مندمجة للوقاية من حوادث السير حاولت من خلالها الجهات الرسمية تقليص حوادث السير بنسبة النصف في ظرف 10 سنوات معتمدة أجهزة لمراقبة الطرق أو البطائق الرمادية أو مراقبة المخالفات؛ ولكن المفاجأة أننا لم نصل إلى تخفيض بنسبة 25 في المائة في مرحلة الإنجاز الأولى”.
وزاد سليب في حديث لهسبريس أن “اجتماع المجلس الإداري لـ(نارسا) كشف أننا لم نصل إلى ما كنا نطمح إليه وهو الحفاظ على أرواح مستعملي الطريق رغم أن نسبة القتلى تعزى أيضا إلى زيادة المركبات في الطريق (السيارات الخفيفة/النفعية، الشاحنات أو الحافلات) وانفلاتها من المراقبة القانونية أساسا”.
كما عزا الفاعل المهني ذاته العدد المرتفع لقتلى الطرق بالمغرب إلى “غياب التكوين المعمق وعدم الاطلاع على قانون السير من قبل الحاصلين على رخص السياقة أو المرشحين لاجتياز امتحاناتها؛ لأنه بمجرد أخذ هذه الرخصة ينتشر التهور في الطريق والتسبب في حوادث مميتة”.
كما عرج على مساءلة دور الوزارة في مراقبة “مؤسسات تكوين السائقين المهنيين ومدارس تعليم السياقة بدون الخضوع لتكوين حقيقي ما يتطلب التشديد في هذه المسألة”، داعيا إلى “تعميم إجراءات اتخذتها الوزارة في حق بعض المؤسسات على مختلف الأقاليم”.
“الدراجات النارية” مَكمن الخطر؟
لم يغفل إلياس سليب، رئيس المرصد الوطني للسلامة الطرقية بالمغرب، إثارة مشكل ما أضحت تتسبب فيه الدراجات النارية (بصنفيْها ثنائية أو ثلاثية العجلات) من حوادث سير مميتة عادت “طقسا يوميا” في شوارع وأزقة المدن المغربية.
وقال سليب بهذا الشأن: “نقل الأشخاص سريا وعدم احترام قوانين المرور واحتياطات السلامة والدخول في صراع مع باقي المركبات كله ظواهر نعيشها بشكل يومي من طرف دراجات ثلاثية العجلات triporteurs (طْريبوتور) في ظل تهاون بعض المسؤولين مع غياب الوثائق (عدم التأمين أو رخصة السياقة، على الرغم من أنها مفروضة قانونيا).
أما الدراجات ثنائية العجلات، فإنها، حسب رئيس مرصد السلامة الطرقية، تظل مستخدَمة بعدد كبير من الشباب والشابات الذين يتعاملون بها أو تستهويهم سياقتها أحيانا بطرق استعراضية تشكل خطرا على حياتهم.
ودعا سليب إلى “إعادة النظر في استيراد الدراجات النارية ذات السرعة القصوى بكافة أنواعها خاصة أن أغلب مستعمليها من الشباب المغربي الذي يذهب ضحية حرب الطرق، والذي يعد عِماد البلاد ومستقبلها”.
المصدر: وكالات