يواجه أبناء العائلات ذات الدخل المحدود، الذين يأتون لاستئناف مشوارهم الجامعي بالعاصمة الرباط، “مشكلاً سنويا” يتعلق بارتفاع أثمنة الكراء، مقارنة بمدن أخرى كفاس ومكناس ومراكش، وهو ما جعل العديد من هؤلاء الطلبة يعبرون عن تذمرهم من هذه “الارتفاعات الصاروخية”، التي لا تتناسب، حسبهم، مع القدرة الشرائية لمعظم الطّلبة وأسرهم.
ويمثل الدخول الجامعي حاليّا فرصة لعودة هذا النقاش، الذي يظهر في شتنبر وأكتوبر خصوصاً، قبل أن تستأنف الأحياء الجامعية خدماتها في إيواء الطلبة حسب “الاستحقاق”؛ لكن “إشكالية السكن الطلابي” تشكل “تحديا حقيقيا بالنسبة للأسر الفقيرة التي تجد نفسها أمام الأمر الواقع، إذ ليس ثمّة بدّ سوى إرسال الابن أو الابنة أو أكثر نحو العاصمة لأجل التحصيل الدراسي”.
إنهاك للبسطاء
قال محمد جدري، الخبير الاقتصادي، إن “الطلب على الشقق والغرف والأستوديوهات يرتفع في العديد من المدن حيث تتوفر المعاهد والجامعات، خصوصا الرباط التي تتوفر على مدارس ومؤسسات لا توجد في مناطق أخرى”، مبرزا أن “هذا التدفق الطلابي المرتفع يربك منطق الطلب والعرض، وهو ما يجعل السومة الكرائية في العاصمة تحديدا مرتفعة”.
وأورد جدري أن “الطبقة المتوسطة متضررة بدورها بفعل التضخم، وتحاول الحفاظ على قدرتها الشرائية برفع أسعار الكراء”، مسجلاً أن “هذا الوضع ما زال يؤثر بشكل كبير على العدالة الاجتماعية، وأن يتوفر الطلبة على ظروف مهمة وحافظة للكرامة من أجل استئناف مشوارهم الجامعي، خصوصا أن معظم الطلبة يأتون من مدن نائية ومن وضع اجتماعي بسيط”.
وأفاد الخبير الاقتصادي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “ذوي هؤلاء الطلبة لا يستطيعون في الغالب توفير مصاريف التنقل والأكل والكراء لمدة سنة، سيما أن مدة الدراسة قد تكون سنتين أو ثلاثا أو حتى سبعا بالنسبة لتخصصات الطب، وهذا يدفع الطلبة إلى البحث عن عمل إضافي بشكل يضيع مجموعة من مبادئ العدالة الاجتماعية”، داعيا إلى “رفع الحكومة من الطاقة الاستيعابية للأحياء الجامعية”.
كما دعا إلى “تشجيع المستثمرين الخواص لبناء أحياء جامعية خاصة بأثمنة معقولة وتنافسية تتناسب وقدرات عائلات الطلبة، خصوصا أن المنحة الدراسية لا تلبي حاجيات السوق”. وأوصى بـ”تخصيص منح دراسية إضافية كتوفير منحة للنقل، وتسهيل إطعام الطلبة عبر توقيع شراكات مع مطاعم”، قائلا: “من الواجب القيام بذلك، وإلا سيعرف السلم الاجتماعي خللا لكون الدراسة تعدّ وسيلة أساسية للارتقاء الاجتماعي”.
مشكلة متكررة
يرى عبد العالي الرامي، الفاعل المدني في الرباط، أن “مشكلة غلاء أسعار الكراء بالرباط مشكلة متكررة”، مضيفا “يجب أن تجد الدولة صيغا ممكنة عبر إضافة أحياء جامعية أخرى لكون العديد من الطلبة المتوفرين على كل الشروط لا يتوفرون على أحياء جامعية لكونها لا تستطيع إيواء كل الطلبة القادمين من مناطق جغرافية مختلفة”.
وأورد الرامي، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن “الدولة يمكن أن تفكر في منح رمزية توجه إلى الطلبة تخص الكراء، ويتم منحها وفق ضوابط جد حازمة لضمان ذهابها إلى من يستحقها”. وقال إن “أثمنة الكراء في الرباط ليست عادية بالنسبة لمعظم الطلبة، لكن الدراسة فيها تعتبر قدراً محتوما بالنسبة لهذه الشرائح”، مشيرا إلى أن “الدراسة في الرباط تغري الكثيرين، لكن أوضاع السكن فيها بالنسبة للطلبة ليست مغرية كثيراً”.
وكشف أن “الشقق والغرف التي توضع رهن إشارة الطلبة لاكترائها يجب أن يراعي أصحابها مدى هشاشة هذه الشّريحة؛ وأن ينخرطوا بدورهم في التشجيع على البحث العلمي خدمةً لبلدنا ولمستقبله”، مشيرا إلى أن “هذا الإشكال سيبقى مطروحا كل بداية دخول جامعي لكون أثمنة الكراء في الرباط تطرح مشكلة حقيقية بالنسبة للكثير من الأسر، التي تكابد لتدريس أبنائها وضمان مستقبل ينتشلهم من الفقر”.
المصدر: وكالات