حطم سطح البحار في أبريل الفائت رقم الحرارة القياسي السنوي، وبقي منذ ذلك الحين عند مستويات غير مسبوقة، وهي ظاهرة مثيرة للقلق ولكنها غير مفاجئة للعلماء، والأهم أنها تظهر بوضوح كيفية تسبب الأنشطة البشرية بتحويل المحيطات إلى “قنبلة احترار مناخي موقوتة”.
ومع أن المتوسط بدأ بالانخفاض قليلا في نهاية أبريل – وهي دورة طبيعية تقع في نهاية الشتاء الجنوبي – بقيت درجات الحرارة لمدة ستة أسابيع أعلى من المعدلات القياسية الموسمية.
على المدى القريب، “تنتج عن ذلك على المستوى الإقليمي مجموعة كبيرة من موجات الحرارة البحرية” التي “تعمل مثل الحرائق تحت الماء ويمكن أن تؤدي إلى تدهور لا رجعة فيه لآلاف الكيلومترات المربعة من الغابات تحت الماء، مثل عشب البحر أو الأعشاب البحرية البوزيدونية أو الشعب المرجانية”، على قول عالم المحيطات في المعهد الوطني الفرنسي للبحوث العلمية جان باتيست ساليه.
وأشار الباحث إلى أن “أعلى درجات الحرارة موجودة في المحيط الهادئ على طول أمريكا الوسطى”، لكن الوضع الشاذ يطاول أيضا مناطق واسعة في شمال المحيط الهادئ وكذلك على سواحل المحيط الأطلسي في جنوب أوربا ومن غرب إفريقيا.
ورأى جان باتيست ساليه في تصريح لوكالة فرانس برس أن “من غير المستغرب أن ترتفع درجة حرارة المحيطات، إذ يحصل مثل هذا الارتفاع من سنة إلى أخرى بمعدل مذهل جدا”، لأن “المحيط، كالإسفنج، يمتص أكثر من 90 في المائة من الزيادة الحرارية الناجمة عن الأنشطة البشرية”.
ولا تقتصر الآثار على التنوع البيولوجي البحري. فعالمة المحيطات كاثرين جانديل توقعت في تصريح لوكالة فرانس برس تسجيل “تبخر متزايد، واحتمال كبير لحدوث أعاصير أكثر حدة”، و”ربما عواقب على التيارات البحرية”.
وأضاف عالمة الكيمياء الجيولوجية أن مياها أكثر دفئا “تشكل نوعا من حاجز يبطئ تبادل الغازات”. وأوضحت أن “مضخة الأكسجين التي يمثلها المحيط ستعمل بشكل أقل جودة”، وهو ما “سيحصل أيضا لمضخة ثاني أكسيد الكربون”، مما يقلل من امتصاص غازات الاحترار المناخي التي ينتجها الإنسان.
ولا يفاجئ هذا الرقم القياسي الجديد فريديريك أوردين أيضا. ملاحظا أنه “طبيعي في سياق وضع مقلق جدا، متوقع منذ مدة طويلة ويتطلب تحولا جذريا في أساليب عملنا”. وأضاف “نحن لا ندرك بشكل كاف أن الهدف هو الاستغناء تماما عن النفط والفحم”.
وهل يثير هذا الرقم القياسي مخاوف من التقليل من قيمة ظاهرة الاحترار المناخي؟ أجاب “من المستحيل معرفة ذلك أساس رقم قياسي”، نظرا إلى أن “درجة التباين الطبيعي للمناخ تعني أن من الممكن أن يسخن أكثر لبضعة أشهر أو سنوات”.
وشهدت محيطات العالم ثلاث سنوات متتالية من ظاهرة النينيا، وهي ظاهرة مناخية دورية تعمل على تبريد المياه السطحية، علما أن من المتوقع أن تشهد سنة 2023 ظاهرة النينيو المعاكسة. وكان من الممكن أن يترافق التحول مع نهاية تأثير التبريد لظاهرة النينيا، مع ارتفاع درجة الحرارة على المدى الطويل لإنتاج هذا الرقم القياسي الجديد.
وكتب عالم المناخ الأمريكي ديفيد هو على “تويتر” أن “عام 2023 لا يبدو بعيدا جدا عن سنوات النينيو الأخرى إذا وضع في إطار الاتجاه العام المتمثل في زيادة درجة حرارة السطح”، لكن “ما يثير هو الاتجاه الطويل المدى”.
ونظرا إلى أن المحيطات امتصت 90 في المائة من الحرارة الزائدة من نظام الأرض الناجم عن النشاط البشري خلال العصر الصناعي، يتوقع العلماء أن يكون مخزون الطاقة في أعماقها هائلا، ويقدرونه بنحو 10 زيتاجول في عام 2022 أو 100 ضعف إنتاج الكهرباء العالمي. وحذر جان باتيست ساليه من أنه “خلال سنوات ظاهرة النينيو، تطلق أعماق المحيط الحرارة على السطح وتسخن الغلاف الجوي”.
وقالت كاثرين جانديل إن “المحيط يصبح أشبه بقنبلة موقوتة بفعل تسخينه”.
وتشير التوقعات إلى أن “لا رجعة خلال هذا القرن في الاحترار التاريخي للمحيطات”، على قول عالمة المحيطات في مركز ميركاتور أوشن كارينا فون شكمان. فمع أن درجة حرارة سطح البحار يمكن أن تستقر بسرعة في حال حدوث انخفاض كبير في انبعاثات البشرية، يحتاج المحيط العميق “إلى قرون أو آلاف السنين” ليتكيف، بحسب الباحث المتخصص في اختلال توازن الأرض الطاقوي.
المصدر: وكالات