يبدو أن المغرب لم يتمكن بعد من حل المعادلة التي تهم الحفاظ على استمرارية المقاولات المحدثة كل سنة، إذ إن الإفلاس مازال يحوم حول رؤوس عدد من هذه المؤسسات رغم ارتفاع معدل الإنشاء الذي وصل إلى 24 ألفا و896 مقاولة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2024، من بينها 17.948 مقاولة لأشخاص اعتباريين وحوالي 6.948 مقاولة لأشخاص ذاتيين.
وكشف المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية أن جهة الرباط سلا القنيطرة لوحدها استحوذت على ما يصل إلى 2915 مقاولة جديدة خلال المدة الزمنية نفسها، بما فيها 2192 مقاولة ذاتية و723 مقاولة اعتبارية، تصدرت الرباط عددها على المستوى الجهوي.
وفي مقابل هذه الأرقام التي تبدو “مهمة” يظهر “شبح الإفلاس” الذي ضرب السنة الماضية ما يصل إلى 14 ألف مقاولة، في حين يؤكد المهنيون أن الرقم الحقيقي يتراوح ما بين 34 و40 ألفا؛ بينما توقعت دراسة للرائد العالمي في التأمين الإئتماني “أليانز ترايد” أن يصل إجمالي المقاولات المفلسة إلى 16 ألفا و100 مقاولة هذه السنة، بزيادة تقدر بـ13 في المائة مقارنة مع السنة الماضية.
وكثيرا ما واجه يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل، أسئلة على مستوى البرلمان عن العوامل التي تقف وراء هذا الرقم “الضخم”، الذي يساهم كذلك في تفاقم معدلات البطالة، وهي أسئلة تتضمن بين ثناياها دعوة إلى “الكشف عن حزمة إجراءات لتخفيض الأرقام أو على الأقل تثبيتها”.
عوامل الإفلاس
بحسب عبد الله الفركي، الذي يشغل منصب رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جد والصغيرة والمتوسطة، فإن “عدد المقاولات المفلسة السنة الماضية يضاعف حوالي 3 مرات الأرقام التي كشف عنها أنفوريسك، إذ بتنا نتحدث عن عدد يتراوح ما بين 34 و40 ألف مقاولة مفلسة، عوضا عن 14 ألفا الواردة في بعض التقارير”، مردفا: “هذه البيانات لا تشير إلى أن رقم 14 ألفا يهم فقط المقاولات ذات الطابع المعنوي Sarl، بينما لدينا أغلبية للمقاولات ذات الطابع الشخصي”.
وكشف الفركي لهسبريس أن “عددا من المقاولات الصغيرة جدا لا يتم إحصاؤها، إن من قبل أنفوريسك أو من قبل مكتب الملكية الفكرية والصناعية أو المحاكم، خصوصا الموجودة منها بالعالم القروي، حيث تعتمد فقط على السجل التجاري في اشتغالها”، موضحا أن “أول عامل يقف وراء كثرة الإفلاس يتعلق بكون هذه الفئة محرومة من التمويلات؛ فحتى بعض البرامج التي كانت تمنح 1,2 مليون درهم تم إيقافها، في حين أن الشركات الكبرى تستفيد حاليا من صناديق استثمارية كبيرة، ما يبين وجود فارق كبير بين الفئتين”.
المتحدث ذاته ذكر أن “العامل الثاني يرتبط برفع الجبايات إلى 20 في المائة مقابل 10 في المائة في ما مضى، ما يقلص من فرص نجاح عدد من المقاولات، خصوصا إذا ربطنا الأمر بعدم استفادة المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة من الصفقات العمومية التي باتت تستحوذ عليها المقاولات الكبرى، في وقت كان من الضروري منحها 20 في المائة القانونية”، وتابع: “افتقدنا منذ سنة 2013 ما يصل إلى 600 مليار درهم”، خالصا إلى أن “تقليص إفلاس المقاولات كل سنة رهين بإعادة النظر في هذه العوامل الثلاثة التي تقف وراء عدم استمرارية المقاولات بالمغرب”.
الذاتي والموضوعي
باعتباره أكاديميا وخبيرا في المجال الاقتصادي، أكد عبد الخالق التهامي أن “ارتفاع نسب الإفلاس يبقى طبيعيا إذا ما استحضرنا ارتفاع نسب خلق المقاولات، خصوصا إذا كان في حدود معقولة، في حين أنه إذا كان يمثل نسبة مرتفعة فإنه سيكون وقتها مقلقا، في وقت لا تتجاوز المقاولات الصغرى المغربية حاجز السنتين والثلاث قبل أن تعلن إفلاسها”.
ولفت المتحدث، مُصرّحاً لهسبريس، إلى أن “هذه المقاولات لا تتجاوز في غالبية عمرها ثلاث سنوات، إذ تجد إشكالا في المرور نحو أربع سنوات، في حين أن أغلبها لا تكون ذات نفس كبير وقادرة على ضمان استمراريتها ضمن السوق الذي يشهد تغيرات كبيرة”، متابعا: “هذه المقاولات لا يمكن أن تعول دائما على الصناديق المالية؛ يمكنها ذلك في المرحلة التأسيسية”.
وعطفا على ما قاله الفركي أكد التهامي أن “نسب الإفلاس ترتبط بإكراهات تتعلق بالوصول إلى التمويلات الضرورية ودخول الأسواق والوصول إلى الصفقات العمومية، فضلا عن إكراهات ذاتية تتعلق بكون عدد من الأفراد يؤسسون مقاولاتهم بدون دراسة أو استعداد مسبق، إذ لا يتم الأخذ بالمعطى المتعلق بكون الحفاظ على استمرارية المقاولة أصعب من خلقها، بالنظر إلى كونها تتطلب توافر مجموعة من الشروط الذاتية والموضوعية”.
المصدر: وكالات