كشف الباحث المغربي البارز في الموسيقى عبد العزيز ابن عبد الجليل جانبا مغمورا من الشخصية العلمية لأحمد بن خالد الناصري السلاوي صاحب تاريخ المغرب الأقصى المشهور بـ”الاستقصا”، الراحل متم القرن التاسع عشر، هو الكتابة في الموسيقى، من خلال رسالتين قابل فيهما بين “النغمات العربية” و”الموسيقا العجمية”.
وذكر ابن عبد الجليل، في دراسته المنشورة بفصلية “المناهل” المحكمة، أنه سبق أن اجتهد في سبيل الوقوف على هاتين الرسالتين بالمكتبات والخزانات لمّا كان بصدد تأليفه كتاب “الدليل الببليوغرافي للموسيقا في الغرب الإسلامي”، دون أن يتحقّق له الأمر، إلى أن اهتدى إلى مخطوطة شرح الناصري للقصيدة المغربية المعروفة بـ”الشمقمقية” لناظمها أحمد بن الونان، حيث وجد فصلا طويلا يشرح بيت “أَوْ وصَلَت للموصِلي فيما مضى .. عند الغِنا بغيرِها لَمْ ينطِقِ”.
وتابع: “قبل الشروع في دراسة النص وتحليل عناصره، يراودنا السؤال حول طبيعة تركيبه التي توحي بأنه موضوع رسالة واحدة وليس رسالتين، الأمر الذي يطرح احتمال أن يكون هذا النص عملا قائما بذاته وغير ذي صلة بالرسالتين”، قبل أن يرجح ضعف هذا الاحتمال “طالما أن محاور النص في ذاتها ما تحويه الرسالتان الضائعتان من (ذكر للنغمات العربية، وبيان المقابلة بينها وبين الموسيقا العجمية)”.
وواصل أن “هناك عائقا يواجه الباحث ويحول دون البت في هذا الأمر دون إعمال التروي، وهو خلوه من أية إشارة من المؤلف إلى (صديقه العلامة الفلكي إدريس بن محمد الجعيدي السلاوي)، بله أن يكون قد وجه إليه [إحدى] رسالتيه”.
لكن، بالانطلاق من “مفهوم [الخطاب] في فنون الإنشاء بالمغرب الذي يعني [التراسل]، فسندرك أن هذه الرسالة شكلت محورا من محاور التراسل بين الناصري وصديقه الجعيدي، لاسيما وهو يعلم عظيم اهتمامه بالعلوم العقلية، وتبرزه فيها (…) ومن ثم، لم يكن من العجب في شيء أن يُطلع الناصري صديقَه على رسالته في علم الموسيقا الذي هو رابع علوم التعاليم بعد الرياضيات، والهيئة، والهندسة”، ثم افترض “أن يكون الناصري قد أنشأ الرسالة ووجّهها إلى العالم الفلكي قبل 1239-1308، تاريخ وفاته، ثم عاد إلى بثها ضمن شرحه للشمقمقية الذي كان ابتداء تأليفه في 25 شعبان 1313 للهجرة”.
ويقف الناصري في المحقَّق عند ترجمة إسحاق الموصلي، الذي كان من ندماء الخلفاء العباسيين، وعرف بمكانة عالية في الأدب وقرض الشعر وتفوق في الغناء “وإمامته أهل صناعته جميعا”، وفق الأصبهاني صاحب “الأغاني”، كما يورد أقوال العلماء في صناعة الغناء، التي “حدثت في عصر آدم عليه السلام أو بعده بيسير”؛ فـ”الغناء أمر طبيعي في الإنسان لا ينفك عنه سواء في حالات الحزن أو السرور”.
واهتم الناصري بغناء الفرس، وغناء العرب، موازين وألحانا وقوانين، واختلاط الغناء الفارسي والعربي والتركي، وما نتج عن ذلك من تصنيفات غير مسبوقة للنغمات، واهتم بـ”غناء أهل المغرب (والأندلس) وأقسامه وحدوده”، كاتبا فيما نقله ابن عبد الجليل: “وإذ فرغنا من غناء أهل المشرق فلنرجع إلى غناء أهل المغرب وبيان أقسامه وحدوده وما لا بد منه، إذ هو المقصود بالذات من هذه النبذة”.
ومن بين ما تكشفه دراسة ابن عبد الجليل مقارنة أحمد بن خالد الناصري لتعليم صناعة الغناء بين “الموسيقا العربية” و”الموسيقا الأوروبية” والفروقات بين “العرب والفرنج” في ذلك، صوتا وحركات وآلات وإخراجا للنغم.
كما تورد الدراسة ذِكر الناصري في ختام نبذته الواردة في شرحه للشمقمقية الذي صدر تحقيقان له سنة 2023: “وقد بقي علينا أمر مهم، وهو حكم الشارع في هذا الغناء واستعمال آلاته؛ والخلاف في ذلك شهير، وإن أردت أن تقف على نصوص العلماء وفتاوي الأئمة في الغناء والسماع والرقص فعليك بكتابنا الموسوم بـ[نُصرة السنة]، ففيه ما يكفي ويشفي”، قبل أن يختم: “أما المناسب هنا فالاقتصار على أبيات نظمها في ذلك شهاب الدين محمد بن إسماعيل”، ومنها قوله: “(…) ثم ابن حزم وهو حَبر عارف .. قد جُوِّزَت في قوله المعازف/وعنده قد حلت الأوتار .. والدف والطنبور والمزمار/كذلك الأرغنُّ والربابهْ .. والناي والموصول والشبابهْ/ولا جُناح في الجَناح عندهُ .. فاسمع لها واطربْ وتابع جندهُ”.
المصدر: وكالات