يسن المغرب خلال الفترة الأخيرة إجراءات حاسمة للتحكم في استهلاك المياه، في مواجهة ندرة التساقطات المطرية والجفاف، إذ تم من بين إجراءات أخرى، إلزام الحمامات التقليدية ومحلات غسل السيارات بالإغلاق أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع.
هذا الإجراء وبالرّغم من “الدوافع الاضطرارية” إليه، أثار جدلاً واسعًا بين المهنيين في هذين القطاعين الذين يرفضونه، معتبرين أن نشاطهم لا يستهلك كميات كثيرة من المياه مقارنة بالقطاعات الأخرى كالفلاحة على سبيل المثال، كما يعتبرون أن هناك حاجة لإيجاد حل بديل يحقق التوازن بين حماية الموارد المائية وضمان استدامة أعمالهم.
ويرى متتبعون أن إدارة أزمة ندرة المياه في المغرب تضع السلطات المائية بين “مطرقة حماية الموارد المائية وسندان دعم القطاعات الاقتصادية”، مشدّدين على أن الإجراءات الأكثر إلحاحا في الفترة الحالية يجب أن تتوجّه نحو تقييد ومنع الزراعات المستهلكة للمياه.
الحاجة إلى رقابة دائمة
محمد سنان، خبير في الموارد المائية وتغير المناخ، قال إنه بالرّغم من أن تأثير أنشطة الحمامات التقليدية ومحلات غسل السيارات على الموارد المائية الجوفية-التي هي ضعيفة أصلا-“يبقى محدوداً ولا يُشكّل خطراً على التزويد بالمياه الصالحة للشرب أو الري، إلا أننا في ظرف نحتاج فيه إلى كل متر مكعب”.
واعتبر سنان، في حديث لهسبريس، أن المياه الجوفية المستعملة في هذين النشاطين المقيدين بقرارات عاملية، “يمكن استغلالها في الحاجيات الآنية للسكان كالشرب، خاصة في ظل تزايد تضاؤل نسبة ملء السدود”.
غير أن الخبير ذاته، الذي يشغل أيضا رئيس قسم الماء بالمدرسة الحسنية للأشغال العمومية بالدار البيضاء، شدد على أن تدبير المياه الجوفية في علاقتها بالأنشطة المستهلكة لها “يجب أن يخضع للتوازن، لتجنّب التداعيات الاجتماعية على الفئات المشتغلة في هذه الأنشطة”.
واقترح المتحدّث ذاته “تحديد كميات استهلاك المياه في جميع الأنشطة الاقتصادية والفلاحية وغيرها، وإخضاع نسبة وطرق الاستهلاك بها لرقابة دائمة وجدّية، واستغلال المياه الجوفية التي ينتهي بها المطاف في البحر لتلبية حاجيات السكان، لا سيما في المدن الساحلية، لتقليل الاعتماد على المياه السطحية (المياه المجمعة في السدود)”.
ونبّه الخبير في الموارد المائية إلى أن “الإشكالية التي تواجه المياه الجوفية في المغرب، هي ضعف الرقابة وتنامي مستهلكي المياه دون رخص”، مبرزاً أن “الأرقام تشير إلى استقبال الفرشة المائية 4 مليارات متر مكعب كمعدل سنوي، بينما يبلغ حجم الاستهلاك 5 مليارات متر مكعب، ما يعني خسارة ألف متر مكعب سنوياً”.
إجراء تحسيسي
فؤاد عمراوي، أستاذ علوم المياه في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، قال إن “ما يُستشف من قرار إغلاق الحمامات التقليدية ومحلات غسل السيارات، هو التحسيس بكون أزمة الماء في بلادنا بلغت مستوى حرجا وتشجيع جميع المواطنين على الانخراط في إجراءات الاقتصاد وترشيد استهلاك هذه المادة الحيوية”.
وأوضح عمراوي، ضمن تصريح لهسبريس، أنه “من المعلوم أن أغلب الحمامات التقليدية ومحلات غسل السيارات لا تعتمد في نشاطها على استغلال الماء الشروب (أي مياه الحنفيات)، بل على آبار المياه الجوفية أو الأثقاب المائية، وهو ما قد لا يكون له تأثير كبير على الموارد المائية المتاحة للماء الشروب”، قبل أن يعود ليوضّح أن “القرار يُعدّ متفهماً أكثر عند الحديث عن المحلات المستغلة للماء المخصص للشرب”.
المصدر: وكالات