يواصل المغرب التوجّه نحو إعادة بناء المناطق المتضررة، لكن الفعاليات الأمازيغية مازالت تعتبر أن “إعادة تأهيل المجال تستدعي بالأساس التفكير من منظور يحترم العنصر الأمازيغي، وثقله السوسيوثقافي بمجمل الدواوير التي عرفت تضرراً بالغا جراء زلزال ثامن شتنبر، خصوصاً الحوز وشيشاوة وتارودانت وورزازات، حيث لوحظ أن الساكنة تحتفي بتراث عريق طاله نوع من التّهميش بسبب العزلة”.
ويبدو أن المناطق المنكوبة المذكورة تعرف حضوراً تاريخيا للثقافة الأمازيغيّة، وهو ما تبين بوضوح حين أبرز الزلزال أن الكثيرين من ساكنة هذه الدواوير لا يتقنون سوى الأمازيغية، وحينها اعتبر نشطاء في الحركة الأمازيغية أن “سياسة الإقصاء القديمة وضعف تأهيل ‘تمازيغت’ منذ الاستقلال حتى اليوم كانا سبباً في غيابها كلغة تواصليّة منتشرة في الفضاء العام، بشكل يخول لكلّ مغربيّ أن يتواصل بها كجزء من الهوية المغربية”.
عنصر حيوي
الحسين أموزاي، باحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أفاد بأن “إعادة البناء وتنزيل أوراش التأهيل التنموي في الجهات التي ضربها الزلزال ينبغي أن تستحضر قيم وعادات السكان، وخصوصا لسانهم الأمازيغي، لكون الكثيرين منهم عاشوا منعزلين ولا يعرفون سوى لغة الأجداد”، مضيفا أن “تفعيل البعد الإستراتيجي لإعادة تأهيل الفضاء يجب أن يجعل الدّولة تفكر في توفير أطر في مختلف المؤسّسات التعليمية والصحية ناطقة بالأمازيغية في تلك النقط”.
وأورد أموزاي أن “تسهيل التواصل مع السّاكنة وتيسير حقها في الارتفاق باللغة الدستورية هو ورش لا يقلّ أهمية عن محاولات جبر الضّرر وضمان نجاح هذه الأوراش التي نسعى إلى تفعيلها”، مشيراً إلى أن “تعزيز الشّعور بالانتماء والتخطابات الوجدانيّة التي تدور في هذه الهوامش هي عناصر حية لالتقاطها ومحاولة التفكير فيها كبرامج ذات أولوية لإدماجها في الإدارات والمؤسسات وتوفير التواصل بشكل سلس”.
وقال المصرح لجريدة هسبريس إن “هذا المكون له أهميته وقيمته، لكونه يمثّل عنصراً هامّا داخل الهوية المغربيّة”، مبرزاً أن “الأمر يتّصل أيضا بطريقة ونمط عيش السكان والقيم الإثنوغرافية والأنثروبولوجية التي نشؤوا بها، التي عاشت معهم وتعايشوا من خلالها مع بعضهم البعض”؛ وزاد: “هذه القيم هي ابنة ثقافتهم ولغتهم، وبالتالي هناك حاجة ماسة إلى أخذها بعين الاعتبار أثناء إعادة البناء”.
ذخيرة ثقافية
قال الناشط الأمازيغي عبد الله بادو إن “هناك خصوصية محلية في المناطق التي نسفها الزلزال، تلعب دورا أساسيا في الارتباط العاطفي والهوياتي والثقافي الذي تتميز به ساكنة الجبال”، مؤكدا أن “الطابع الخصوصي ذاته هو ما يمنحها نوعاً من الجاذبية، بحيث تعدّ من بين المجالات الاقتصادية التي تشكّل مورداً أساسيا للساكنة المحلية، وتمنحها الحماس لتقاسم تقاليدها وأعرافها”.
وكشف بادو، ضمن حديثه لجريدة هسبريس، أن “الدولة لا ينبغي أن تكرّر أخطاءها، فخلال عملية الإغاثة وجدت فرق الإنقاذ غير الناطقة بالأمازيغية مشكلا مع الساكنة، وبالتالي كان على الدولة التي تعرف أن السكان أمازيغ توفير أطر قادرة على التواصل بالأمازيغية أو مرافقين يضمنون فورية الترجمة”، مردفا: “الدولة يجب أن تأخذ هذا المعطى بعين الاعتبار لضمان وصول رسائلها إلى الساكنة، وضمان وصول رسائل الساكنة إليها بالمقابل”.
ولفت الناشط الأمازيغي ذاته إلى أن “الدولة عبأت مجموعة من الموارد، لكن أثناء عملية إعادة التأهيل يجب أخذ رأي السكان وضمان توافق المعمار والتصاميم مع خصوصيتهم وهويتهم، وكذا مراعاة طريقة تجميع الدواوير وتطويرها باعتماد وسائل محلية، لكن ببنية قوية مقاومة للزلازل، وببنيات تحتية ترفع العزلة والتهميش عنهم”، خاتما: “يجب أن تتوفر لسكان الجبل كل ظروف العيش اللائق، مع ضمان إحساسهم العاطفي وعلاقتهم بالأرض”.
المصدر: وكالات