تطور سنوي ملحوظ، ولو أنه يبقى “طفيفاً”، بصمت عليه “مبيعات الإسمنت” بالمغرب؛ وهو ما اتضح عند متم دجنبر من العام المنقضي؛ لتتجاوز المبيعات بقليل 12,5 مليون طن. “المؤشر الرئيسي لقطاع البناء والأشغال العمومية” كما يوصف بين المتخصصين كشف “ارتفاعاً” نسبته 0,19 في المائة مقارنة بسنة 2022، وفق آخر المعطيات الرسمية المحينة.
وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة أبرزت، في مذكرتها الشهرية الراصدة لتطورات وديناميات “مبيعات الإسمنت في المغرب”، أن فئة “المبيعات الموجَّهة للتوزيع” سجلت أعلى مقدار بـ 7.54 مليون طن، تَلتْها تلك التي يتم تسليمها لفائدة “الخرسانة الجاهزة للاستخدام” بأزيد من 2,55 مليون طن، ثم “الخرسانة المعدة مسبقا” التي بلغت 1,22 مليون طن.
الإسمنت الموجَّه لقطاع البناء والتشييد بيعَت منه 453 ألفا و495 طنا، حسب المعطيات الرسمية ذاتها؛ فيما استهلكت أشغال “البنْيات التحتية” ما مجموعه 744 ألفا و202 طن من هذه المادة الحيوية في القطاع.
وأشار المصدر ذاته إلى أنه تم خلال شهر دجنبر الماضي لوحده تسليم ما يعادل 1,12 مليون طن من الإسمنت، بارتفاع نسبته 19,1 في المائة مقارنة بالشهر ذاته من سنة 2022، مبرزا أن هذه المبيعات توزعت على فئة التوزيع (641 ألفا و266 طنا)، والخرسانة الجاهزة للاستخدام (255 ألفا و551 طنا)، والخرسانة المعدة مسبقا (111 ألفا و552 طنا)، ثم البناء (34 ألفا و792 طنا)، والبنيات التحتية (79 ألفا و130 طنا).
وسط بيانات المذكرة ذاتها لفَتَ الأنظار كونُ شهر دجنبر 2023 (فقط) عرَف تسليم ما يعادل 1,12 مليون طن من الإسمنت؛ ما يعني ارتفاعا بـ 19,1 في المائة مقارنة بالشهر ذاته من السنة ما قبل الماضية.
كسر ركود طويل
في قراءته لهذه الأرقام، أكد إدريس الفينا، أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي خبير في مجال العقارات بالمغرب، أن “الأرقام الأخيرة لشهر دجنبر أسفرت بالفعل عن زيادة طفيفة في المبيعات ومؤشر استهلاك الإسمنت بالمغرب من طرف قطاعات وأوراش انخرطت فيها البلاد”.
“إلى حدود نهاية شتنبر كانت الأرقام المسجلة أقل من أرقام نهاية السنة الماضية 2022، لكن تم تدارك هذا العجز في المبيعات خلال الفصل الرابع من 2023″، يحلل الخبير الاقتصادي ذاته شارحا لجريدة هسبريس، قبل أن يعزوَ هذا التدارك إلى “سببيْن أساسيين”؛ الأول (بدون منازع) هو “آثار وتداعيات إعادة تعمير مناطق زلزال الأطلس الكبير (وهو ما سبق أن أشرنا إليه مراراً) لأن مشاريع البنية التحتية رفعت استهلاك الإسمنت بالمغرب، لاسيما بالأقاليم المتضررة”.
العنصر الثاني الحاسم، بحسب الفينا، لم يَكُن سوى “الإعلان عن برنامج مساعدات وإعانات مالية لدعم قطاع السكن وبداية التسجيل مع أول أيام السنة الجديدة”، مضيفا أن “منعشين عقاريين بالمغرب شرعوا منذ مدة في بناء المساكن لإعدادها للبيع سنة 2024”.
وبشكل راجح جداً، سَلك خبير العقار مسار توقع “استمرار الارتفاع طيلة أشهر السنة الجارية مع توقع إنهائها بنسبة زيادة في المبيعات تبلغ 5 في المائة”، وفق تقديراته.
وتعليقا على التطور قال الفينا شارحا: “في الحقيقة يمكن اعتبار نسبة +2% بمثابة شبه استقرار موسوم بركود أو جمود (stagnation) لسوق العقار في 2023 إجمالاً”، وهو ما يحتاج بحسبه إلى “قراءة معمقة خاصة”، مذكرا بأن “سنة 2011 وصل المغرب فيها إلى 16 مليون طن من مبيعات الإسمنت؛ وهو تراجع كبير جدا (فقدان 4 ملايين طن) يسائل الحكومات المتعاقبة بشكل عام لأن مؤشر بيع الإسمنت له علاقة مباشرة بديناميات التنمية الشاملة”.
مؤشر حاسم للاقتصاد
يتفق عبد الخالق التهامي، محلل اقتصادي، مع الفينا في كون “مبيعات الإسمنت تظل محط اهتمام الاقتصاديين بمختلف تخصصاتهم”، معتبرا أنها “مؤشر مهم جدا ليس فقط لحركية قطاع السكن والتعمير والبناء أو الأشغال العمومية والبنى التحتية، بل أيضا للإسهام في حركية الاقتصاد الوطني ككل، نظرا لتقاطعات تلك الأنشطة وامتداداتها”.
“المؤشر الرئيسي لقطاع البناء والأشغال العمومية يظل مقياساً من بين الأبرز والأهم لمعرفة مدى رواج نشاط اقتصادي في عدد من البلدان وليس فقط ببلادنا”، يورد التهامي في إفادات لـ هسبريس، قبل أن يستدل على ذلك بالقول الفرنسي الشهير: “Quand le bâtiment va, tout va” [ عندما يسير قطاع البناء جيداً، ينعكس ذلك على الاقتصاد وجميع أنشطته].
وفي معطى تفسيري لا يقل أهمية ربَط المحلل الاقتصادي نفسه بين “ارتفاع عائدات المغرب من تحويلات مالية للعمال المغاربة بالخارج واستثمارهم المعروف بقوة في مجال البناء والعقارات”.
بداية انتعاشة قطاع العقار
المتحدث لجريدة هسبريس قال إن “المشاريع الجديدة التي دشنها المغرب، بما فيها إعلانه عن مرسوم السكن وإطلاق تسجيل الحصول عليه سنة 2024، ثم بداية مشاريع إصلاح وتشييد بنيات تحتية رياضية وأخرى لتأهيل وإعمار مناطق الزلزال في الحوز ونواحيه، ستجعل الشهور الثلاثة الأولى من سنة 2024 حاسمة في مسار مبيعات الإسمنت بالمملكة”.
“انطلاقا من الصيف المقبل سنرى أثر عدد من الصفقات العمومية وفعالية ميكانيزم دعم السكن وأجرأة صرف الإعانات في رفع الطلب على الإسمنت بالمغرب”، يورد المحلل ذاته، متوقعاً “بداية الانتعاشة التي انتهت بها سنة 2023″؛ كما لم ينسَ الحديث عن “الأشغال العمومية بالمشاريع الكبرى، أبرزها القناطر والطرق والتجهيزات الأساسية، ثم الملاعب لاحتضان تظاهرات رياضية قادمة (الكان والمونديال)”، ليخلص إلى أن “مبيعات الإسمنت في منحى متسارع متصاعد”، ما يرفع درجة انتعاش قطاع العقار برمّته.
المصدر: وكالات