مع اقتراب الموسم الدراسي الجديد، تعود إلى الواجهة جملة من الملفات والإشكاليات التي يعاني منها قطاع التربية والتكوين؛ فتقارير وطنية وأخرى دولية تكشف في كل مرة تعثر الحكومات المتعاقبة في إصلاح مشاكل الاكتظاظ، الهدر المدرسي، والاحتجاجات الفئوية التي لا تخلي شوارع العاصمة الرباط دون أن تجد طريقها نحو الحل.
مشتغلون في القطاع يرون أن سوء التدبير والتخطيط يربك عملية الدخول المدرسي في كل موسم في بعض المناطق، فيما تعاني مؤسسات أخرى من دمج الثانوي التأهيلي مع الثانوي الإعدادي في فضاء واحد وإسناد التسيير إلى مديرين اثنين في الوقت ذاته.
من جهة أخرى، يسهم بعد المؤسسة التعليمية عن محل سكن المتعلم في الهدر المدرسي، نتيجة لسوء التخطيط الترابي، وغياب الأمن في بعض المناطق التي تضم مؤسسات معزولة تشكل مرتعا لقطاع الطرق والمتربصين، أساسا في المجالات الحضرية.
تذيل المغرب سلم التصنيف العالمي في مؤشر التربية والتكوين، الذي يعد مؤشرا مهما يقيس مستوى التنمية داخل كل مجتمع، يوضح جليا ابتعاد البلاد عن جودة التعليم. فبالرغم من المجهودات التي تقوم بها الوزارة الوصية منذ محاولاتها التخلص من رواسب الاستعمار، إلا أنها مازالت تعاني من اختلالات تحول دون النهوض بهذا القطاع الحيوي والحساس.
محمد قفصي، أستاذ مختص في علوم التربية، قال إن كل المقاربات التشخيصية التي بنيت عليها مختلف المخططات والاستراتيجيات التي حاولت قدر المستطاع ملامسة المشاكل الحقيقية التي يتخبط فيها هذا القطاع، والاقتراحات التقويمية التي تبلورت على شكل برامج وتوجيهات وتوصيات، لم تعط أكلها، نظرا لعدم وجود رغبة حقيقية للإصلاح وعدم التمكن من رسم سياسة تربوية متكاملة وواضحة المعالم تدفع بالمنظومة إلى الرقي والازدهار.
وأضاف قفصي، في تصريح لهسبريس، أن إصلاح منظومة التربية والتكوين في المغرب لا بد له من تحقق أسس متينة؛ أولها وجود إرادة حقيقية للدولة من أجل الإصلاح، إذ إنها مطالبة بتحمل كافة مسؤولياتها في هذا المجال، كما أنها مدعوّة لإشراك كل الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين والتربويين في أي رؤية مستقبلية للإصلاح.
وأوضح في هذا السياق أن الرؤية الاستراتيجية التي أعدّها المجلس الأعلى للتربية والتكوين تحتوي على بعض الملامح الحقيقية لتغيير المنظومة نحو الأفضل من خلال وضع رافعات أساسية تنادي بضرورة خلق مدرسة مندمجة تراعي تكافؤ الفرص وتستلهم مبادئ المساواة بين التلاميذ، كيفما كانت وضعياتهم الاجتماعية والصحية والنفسية، كما تعطي للفئات الهشة المكانة التي تستحقها داخل المنظومة من خلال توفير كل الوسائل الضرورية الكفيلة بمحاربة الهدر المدرسي، خاصة في المناطق القروية وشبه القروية.
تفعيل مبادئ الحكامة الجيدة يعتبر كذلك من الآليات المهمة لتطوير العقلية التدبيرية لهذا القطاع، من خلال تطوير الترسانة القانونية والتشريعية للمنظومة، وعقلنة تدبير الموارد المالية والبشرية، والاستفادة أكثر من التقدم التكنولوجي، سواء على مستوى المعلومة أو على مستوى التواصل، وكذا الاعتماد على مناهج تربوية حديثة ومواكبة لتطورات تكنولوجية وتقنية، ووضع سياسة تكوينية هادفة وشاملة تفيد في إنتاج باحثين وأكاديميين ومؤطّرين ومراقبين في مستوى تطلّعات المرحلة، يضيف الباحث ذاته.
وشدد المتحدث على ضرورة محاربة الاكتظاظ عبر خلق بنية تحتية جديدة ومتطورة والزيادة في عدد الفصول والأقسام الدراسية؛ فعوض فصل يضم 45 تلميذا، يجب أن يتم الاقتصار على نصف هذا العدد فقط، وهذا ما سيساعد المدرس على التحكم في المجموعة وخلق شروط ومبادئ التعلم والتواصل داخل الفصل الدراسي.
أما بالنسبة للمشاكل المرتبطة بالتعاقد، فقد عملت الحكومة على وضع برنامج الإجازة في التربية، سيتخرج ضمنه الأساتذة وهم مكونون ولهم خبرة وتجربة نظرية وتطبيقية لمدة خمس سنوات، وهذه صحوة جديدة ستعطي للنظام التعليمي جرعة من القوة.
المصدر: وكالات