يواصل ملف الأقاليم الجنوبية للمملكة إسالة مداد أقلام الباحثين والمهتمين لارتباطه أساسا بالوحدة الترابية والأمن القومي للبلاد، إذ ما يزال هذا الملف على رأس اهتمامات الباحثين الأكاديميين المغاربة على اختلاف تخصصاتهم ومجالات اهتماماتهم.
آخر الديناميات العلمية المشهودة في هذا الصدد، إصدارٌ جديد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، بتعاون مع غرفة التجارة والصناعة بآسفي، يحمل عنوان “الصحراء المغربية وإفريقيا جنوب الصحراء في الديبلوماسية المغربية”، سهر على إخراجه إلى الوجود مختبر القيم والمجتمع والتنمية بالكلية ذاتها.
المؤلف الجماعي الذي ساهم في تأليفه أزيد من 15 باحثا جامعيا في مجالات التاريخ والقانون الدولي والأنثروبولوجيا، حاول إبراز الروابط التي تجمع المغرب بإفريقيا جنوب الصحراء، وتحديدا تجليات هذا الارتباط في كنف الفعل الديبلوماسي للمملكة وعلاقاتها الخارجية.
ووفقا لمقدمة المؤلف، فإن “الدينامية الجديدة التي عرفتها العلاقات الدولية في ظل عولمة جارفة فرضت تكييف الدول لسياساتها الخارجية ولوسائل اشتغالها الديبلوماسي، وبالتالي بات الرهان هو الانتقال من ديبلوماسية تقليدية إلى ديبلوماسية مرنة وشمولية تقوم على البعد البراغماتي أكثر من البعد الإيديولوجي”.
وفي هذا الصدد، ظهر جليا، حسب الوثيقة ذاتها، “انخراط المغرب في هذا المسلسل واندماجه في العولمة ووعيه المبكر بهذه التحولات، وهو ما جعله يسعى نحو تجديد آلياته الديبلوماسية”، بما يتماشى مع التحولات الجيو-سياسية والاقتصادية الكبرى التي يشهدها العالم، وبالتالي قطع الطريق أمام كل المتربصين بالنجاحات والاختراقات التي حققتها الدبلوماسية المغربية في العديد من الملفات، على رأسها ملف النزاع المفتعل حول الصحراء وسياسات واختبارات المملكة في عمقها الإفريقي”.
في هذا الصدد، رصد المؤلف الجماعي بين صفحاته مختلف الجهود والإجراءات التي اتخذتها المملكة المغربية في السنوات الأخيرة ومكنتها من تعزيز مكانتها كحليف استراتيجي لا محيد عنها بالنسبة للقوى العالمية، بل ومكنتها من لعب أدوار ريادية في القارة السمراء، مدعومة بالثقة التي باتت تحظى بها على الصعيدين الإقليمي والدولي، التي تترجمها مساندة مجموعة من العواصم لاختيارات المملكة المتعلقة بالقضايا ذات الأولوية بالنسبة للسياسة الخارجية المغربية.
وتضمن الكتاب مداخلات ركزت على مجموعة من المواضيع ذات العلاقة بالمقاربة المغربية متعددة الأوجه في التعاطي مع الملفات الوطنية والدولية، على غرار استعراضه لأبرز المحطات التي مر بها تكريس الوحدة والإجماع الوطنيين حول القضايا المصيرية بالنسبة للمغاربة، كقضية الصحراء التي أفرد لها الكتاب صفحات تعود بالقارئ إلى بداية مسلسل التسوية الأممية بشأنها على ضوء القرارات الدولية، دون أن يفوته أن يخوض في ثنايا التطور التاريخي للممارسة الدبلوماسية المغربية في التعاطي مع مختلف التحديات التي شهدها ملف الوحدة الترابية للمملكة.
وعلاقة بالتوجه الإفريقي الذي كرسه دستور 2011 ضمن الاختيارات والخيارات الاستراتيجية لمغرب العهد الجديد، تطرق المؤلف إلى مظاهر الحضور المغربي في القارة الإفريقية في عهد الملك محمد السادس والزيارات التاريخية التي قادته إلى مجموعة من دول القارة قبل أن يتوجها بعودة تاريخية إلى الاتحاد الإفريقي في سنة 2017.
عودة لم ترسخ فقط لحضور مغربي قوي في إفريقيا من خلال سياسة فاعلة تجمع بين الدبلوماسي والاقتصادي والروحي والتنموي، بل رسخت لاحقا أيضا لتغيير جذري في تعاطي عدد من العواصم الإفريقية ومواقفها من قضية الصحراء المغربية.
ولا يمكن أن نذكر علاقة المغرب بإفريقيا دون الحديث عن الاستراتيجيات الوطنية للهجرة واللجوء التي جعلت من المملكة نموذجا قاريا فريدا في إدارة هذا الملف، متجاوزا بذلك النظرة الغربية التي كانت تعتبر المهاجرين الأفارقة مصدر تهديد للأمن القومي للدول، إذ أرست الرباط معالم سياسية وطنية دامجة للمهاجرين مع التركيز على معالجة هذا الملف في شموليته دون إغفال البعد التنموي في هذه المعالجة، وهو ما حول المغرب من محطة عبور إلى بلد للاستقرار بالنظر إلى المقومات التي يمتلكها والاستقرار الأمني الذي يتمتع به.
المصدر: وكالات