الخميس 12 شتنبر 2024 – 07:32
صدر مؤخّراً، عن مركز الكتاب الأكاديمي بالعاصمة الأردنيّة عمان، كتاب جديد للدّكتور زكرياء أرسلان، أستاذ اللّسانيات بكليّة الآداب مكناس، موسوم بعنوان اللّغات المتخصِّصة: قضايا البناء ومداخل التّحليل. يقدّم الكتاب تصوّراً فريداً من نوعه، سواء في تمثّل كيفيّات بناء هذه اللّغات أو في نماذج وآليّات تحليلها.
ووفق معطيات بخصوص الإصدار فإن “الكتاب يبرر أنّ دراسة اللّغات المتخصّصة قد أصبحت متشعّبة، يلتقي في مقاربة قضايا بنائها ومداخل تحليلها الفلاسفة والمناطقة وعلماء الاجتماع واللّسانيّون والسّيميائيّون والمصطلحيّون وفقهاء اللّغة والريّاضيّون، وغيرهم من صنّاع العلوم الطّبيعيّة وغير الطّبيعيّة، ينظرون في أنساقها الذّاتيّة وأنماط بنائها، وكيفيّات تشكُّلها، وأنواع وظائفها، وخُطط نمذجتها، ومسارات اشتغالها، ومنهجيّات تعليمها وتعلُّمها، دون أن يُهملوا، في كثير من المناسبات، النّظر إلى أبعادها الإبستمولوجيّة والحضاريّة والتّاريخيّة، وإلى قضايا بنائها الاجتماعيّة والثّقافيّة والدّينيّة؛ حتّى أصبحت هذه اللّغات موضوعاً خصباً لنقاشات علميّة، سكنها هوس التحكّم في اللّغة وصقلها وتطويعها وهندستها، لتُلبّي، بكل حذاقة وشفافيّة وإتقان وجاذبيّة، حاجات التّعبير عن مختلف الأغراض المعرفيّة، نظريّةً كانت أو تقنيّةً أو مهنيّةً – قطاعيّةً، كما سكنتها، في الآن نفسه، رغبة تحقيق النّقل السّلس للمعرفة من نطاقها العلميّ النّظريّ الصِّرف، أي “المعرفة العارِفَة”، إلى مجالاتها التّعليميّة؛ أي “المعرفة المتعلَّمة، نقلاً يتكيّف مع متطلَّبات المتعلِّمين واحتيّاجاتهم”.
ويصدر كلام الدّكتور زكرياء أرسلان في هذا الكتاب عن “خمس قضايا مركزيّة، تُشكّل مجتمعةً خلفيّته المعرفيّة وإطاره النَظريّ ومجاله التّحليليّ ونطاقه التّقويميّ، أولاها أنّ إخضاع تراكيب كلّ اللّغات المتخصِّصة وأساليبها ونصوصها وخطاباتها لوحْدة لا تقوى على التّحقّق إلاّ نظريّاً فقط لا يخلو من نقائص وعيوب، وثانيّتها أنّ اختزال دراسة اللّغات المتخصّصة في دراسة ما تحويه من ‘صنافات مصطلحيّة’، أو في معالجة مسائل توليد عناصر تلك الصّنافات اشتقاقاً ونحتاً، أو في مجرّد تتبّع قضايا ترجمتها وتعريبها قديماً وحديثاً، لا يستند إلى دليل نظريّ قاطع، ولا إلى واقع لغويّ متخصّص فعليّ؛ إذ النّصوص متقدِّمة على صناعة المعاجم، ولا يُتصوّر وجود معجم قبل وجود نصوص منتشرة على ألسنة المتكلّمين”.
“كما لا يُمكن اختزال اللّغات المتخصّصة، أيضاً، في مجرّد رصد غير منتظم لبعض نماذجها التّركيبيّة، وتتبّعها بالجرد والوصف دون التّحليل؛ وعليه فإنّ اعتبار ‘الصّنافة المصطلحيّة’ مرادفاً للّغات المتخصِّصة، كما يُستفاد من كثير من الدّراسات العربيّة والغربيّة على السّواء، يبدو، في نظرنا، اعتباراً فاسداً. كما أنّ في اعتبار هذه اللّغات مرادفاً لما تسمّى ‘أساليب علميّة’ أو ‘أساليب متخصّصة’ مغالطة كبيرة، يورد الكاتب ذاته.
وثالث هذه القضايا المركزية، وفق المصدر ذاته، أنّ “كلّ تفسير لسلوكات عناصر اللّغات المتخصِّصة، ولكيفيّات بنائها ولمسارات اشتغالها، يُبنى خارج إطار النّصوص ووسائط الخطابات، وعناصر التّاريخ والثّقافة والدّين والحضارة، كلِّها أو بعضِها، يبدو تفسيراً ضعيفاً أو مغلوطاً وفاسداً؛ لأنّه ببساطة يَفصِل صناعة أدوات التّعبير المتخصِّص عن واقعها وحقيقتها، وعن المجال التّداوليّ الّذي عنه صدرت بدءاً، وفيه تحكّمت لاحقاً، ليرمي بها في مزالق المثاليّة والطّوباويّة والنّظر الحالم”.
وتفيد رابعة تلك القضايا بأنّ “عناصرَ تَشكِّل هذه اللّغات وبنائها لا تقتصر على العناصر اللّغويّة فحسب؛ إذ إنّ هناك عناصر أخرى ذات صلة وثيقة بمفهوم التّخصّص، ويتعلّق الأمر، هنا، بالعناصر الثّقافيّة والمعرفيّة والاجتماعيّة؛ بل إنّ عقلانيّة هذه اللّغات ومضامينها أو منطقيّتها أو انتظاماتها ذات أصول اجتماعيّة في طائفة من المقاربات الاجتماعيّة المعاصرة”، وفق أرسلان.
أمّا آخر تلك القضايا فتختصّ في “تمحيص زمرة من المقاييس والمعايير الّتي تناقلها كتّاب غربيون وعرب معاصرون، وجعلوها أُسّ صناعة الكلام في العلوم والتّقنيّات، وفي كلّ القطاعات المتخصّصة، واعتبروها المنفذ الوحيد لبلوغ ‘علميّة’ (Scientificity) اللّغة المتخصّصة، فأحاطوها بهالة التّفرّد، وصاروا يتوسّلون بها في تنظيرهم لما ينبغي أن تكون عليه تجليّات تلك اللّغة في العبارة والتّركيب والجملة والنّصّ والأسلوب، دون أن يُقلّبوا النّظر في مقتضياتها، ودون أن يحمِلهم تقليد تناقلهم لها على مراجعتها، ولا على التّفكير في تعديلها أو الإتيان بغيرها! ودون أن يعوا أنّ ما كان صالحاً للغات العلوم الطّبيعيّة من فيزيّاء وكيميّاء لا يصلح، بالضّرورة، للغات وغيرها من معارف العلوم الإنسانيّة أو العلوم غير الإنسانيّة”، بحسب المؤلف ذاته، متسائلا: “أليس من سنن التّعبير عن مضامين التّخصّصات المختلِفة وضوابطه تنوّعُ المسالك وتباين السّبل والآليّات، صرفاً وتركيباً وتداولاً وأسلوباً ونصّاً!؟”.
المصدر: وكالات