يبدو أن التحديات التي يطرحها مشكل توحل السدود المغربية على الموارد المائية الشحيحة بالمملكة، بدأت تأخذ مستويات متقدمة وتدفع الحكومة ووزارة التجهيز والماء إلى التنبيه إليها واعتبارها من التحديات التي تعمق أزمة المياه في البلاد.
أمام هذا الوضع المتأزم وبلوغ نسب ملء العديد من السدود المغربية مستويات غير مسبوقة، بلغت أقل من 3 بالمائة في سد الوحدة الذي يعد من أكبر السدود في البلاد، اعتبر البعض هذا التراجع فرصة سانحة لمعالجة مشكل التوحل وتنقية السدود من الأتربة والأحجار العالقة فيها.
مصطفى العيسات، خبير في الماء، صرح لهسبريس بأن إشكالية توحل السدود ببقايا الأتربة والأحجار تؤدي إلى “خفض مهم لنسبة حقينتها”، مؤكدا أن هذه الإشكالية “لم تعالج منذ سنوات، مما أدى إلى ما يسمى بشيخوخة السدود وعجزها عن الاستمرار في تجميع الاحتياطيات الهامة”.
وأضاف العيسات أن هذه الظاهرة تؤدي إلى “فقدان ملايين الأمتار المكعبة من الماء، وتجعل السدود غير صالحة ولا قادرة على تعبئة الموارد المرجوة منها”، مشددا على أن معالجة التوحل “تتطلب إمكانيات مادية كبيرة”، مشيرا إلى وجود “تقنيات تستعملها دول مثل الصين في هذا المجال من أجل إعادة تأهيل هذه السدود وإفراغها من الأتربة”.
وأفاد المتحدث بأن الأتربة الغنية بالفوسفور والمعادن التي يتم استخراجها من السدود “يمكن أن يستفاد منها في استصلاح بعض الأراضي الزراعية”، مطالبا الدولة ببذل مجهوداتها لـ”إعادة تأهيل جزء كبير من السدود وأخرى أصبحت مهجورة حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات جراء الإشكالات التي تعرفها بسبب عدم إعادة صيانتها”.
وأقر العيسات بصعوبة إنجاز مهمة إعادة تأهيل السدود ومعالجة التوحل وما يتطلب ذلك من توفير “الإمكانيات والتقنيات اللازمة لهذه الأعمال التي تقوم بها شركات متخصصة في المجال وتتطلب خبرات متخصصة”، مبرزا أن المغرب مطالب باللجوء إلى هذه التقنيات من أجل “إعادة صيانة سدوده وتفريغها من الكميات الكبيرة الموجودة فيها من الوحل والطين والأحجار”.
من جهته، ذهب رشيد فاسح، خبير في المجال المائي والبيئي، إلى أن ظاهرة توحل السدود “ظاهرة طبيعية، ومن العادي أن تترسب طبقات من الوحل وترتفع بشكل سنوي، ولكن ليس بوتيرة عالية”، مؤكدا أنه في بناء السدود يكون “المهندسون والوزارة الوصية واعيين بإشكال التوحل، ويضعان مساحات تحسبا لهذا المشكل على مدة معينة حتى لا يؤثر أساسا على المخزون المائي”.
وقلل فاسح، في تصريح لهسبريس، من حجم مشكل التوحل، معتبرا أن المشكل الكبير هو “شح الماء وغياب التساقطات”، مبرزا أن صيانة السدود “ليست بالمهمة السهلة، بل عمل هرقلي يتطلب إمكانات مادية ولوجستية كبيرة، ويتطلب الوقت والظروف المواتية”.
وسجل الخبير في مجال الماء والبيئة أن الدولة تتدخل عبر وزارة التجهيز من أجل صيانة السدود التي تشكل “أماكن استراتيجية لا يمكن أن يشتغل فيها أي كان”، وشبهها بـ”المنشآت العسكرية، المحصنة بالقانون والحماية ضد التلف”.
وأفاد فاسح بأن أزمة الماء في المغرب “لا يمكن أن يعمقها التوحل؛ لأن السد يعتبر أسفله حوضا مائيا، ولا أعتقد أن نسبة الأوحال غير معقولة، وأظن أن ليس هناك تأثيرا كبيرا على مستوى عدد من السدود”، مشددا على أن تنقيتها تستدعي “كلفة كبيرة، وبالتالي يمكن اللجوء إلى بناء سدود على بعد السدود التي تعاني من التوحل، ويمكن أن نخلق نوعا من التصفية الطبيعية عوض صرف أموال طائلة، وتوفير مجموعة من النفقات والموارد”.
المصدر: وكالات