نفّذ الجيش الإسرائيلي الليلة الماضية عملية توغل في قطاع غزة شارك فيها رتل من الدبابات وقوة من المشاة، وفق متحدث عسكري، ضد أهداف “عديدة” قبل الانسحاب، في الوقت الذي تواصل الدولة العبرية استعداداتها لشن هجوم بري رغم التحذيرات الدولية.
وفي اليوم العشرين للحرب بين إسرائيل وحركة حماس، أشار الجيش الإسرائيلي، في بيان، إلى تنفيذ “عملية محددة الأهداف” في شمال قطاع غزة بعد ساعات من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، مساء الأربعاء، “نحن نتحضّر لهجوم بري”.
وقال المتحدث العسكري إنه تم ضرب “عدد من الخلايا الإرهابية والبنى التحتية ومنصات إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات”.
وأضاف أن العملية تندرج “في إطار التحضيرات للمراحل المقبلة من القتال”، مضيفا أن “الجنود خرجوا بعدها من المنطقة وعادوا إلى الأراضي الإسرائيلية”.
ونشر الجيش الإسرائيلي مقاطع فيديو بالأبيض والأسود يظهر فيها آليات مدرعة وجرافات تتجه نحو ما يبدو أنه سياج حدودي وتخترقه. وتحققت وكالة “فرانس برس” من الموقع على أنه جنوب مدينة عسقلان الإسرائيلية، وكان الرتل يتجه غربا، لكن لم يكن بالإمكان التأكد من تاريخ مقطع الفيديو وتوقيته.
وأظهر مقطع فيديو آخر ضربة جوية وبعدها إصابة مبان وتطاير حطام في الهواء مع تصاعد دخان كثيف.
وشنّت حركة حماس في السابع من أكتوبر هجوما هو الأعنف في تاريخ الدولة العبرية تسلّلت خلاله إلى مناطق إسرائيلية وأسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص، قضوا حتفهم في اليوم الأول من الهجوم. وتحتجز حماس أكثر من 200 شخص بينهم أجانب، حسب السلطات الإسرائيلية.
وترد إسرائيل بقصف مكثف وعنيف على قطاع غزة أسفر منذ السابع من أكتوبر عن مقتل 6546 فلسطينيا، بينهم 2704 أطفال، وفق آخر حصيلة أصدرتها وزارة الصحة في حكومة حماس الأربعاء.
وقال نتانياهو، الثلاثاء، في خطاب موجّه إلى الإسرائيليين نقله التلفزيون: “إننا في وسط حملة من أجل وجودنا”.
وإذ أكد أن الاستعدادات جارية لعملية برية، أضاف “لا يمكنني الخوض في تفاصيل متى وكيف وأين والأمور التي نأخذها في الاعتبار” قبل هذه الخطوة، في الوقت الذي يحشد الجيش الإسرائيلي 360 ألفا من جنود الاحتياط على حدود قطاع غزة.
ويواصل الجيش الإسرائيلي قصفه المركز على مناطق عدة في قطاع غزة البالغة مساحته 362 كلم مربع والخاضع لـ”حصار مطبق” منذ بدء الحرب يحرم سكانه الـ2,4 مليون نسمة من المياه والطعام والكهرباء.
“حماية المدنيين”
وتسارعت الحركة الدبلوماسية خلال الأيام الماضية في محاولة لإرساء هدنة إنسانية.
ورأى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء من القاهرة، أنّ شنّ “عملية برية واسعة النطاق” في قطاع غزة “سيكون خطأ”، فيما حذّر نظيره المصري عبد الفتاح السيسي بأن عملية كهذه ستكون “خطأ” لأنّها تتعارض مع حقوق السكان المدنيين، وأيضاً لأنها لن توفر حماية أفضل لإسرائيل.
واعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء، أن لإسرائيل “الحق” و”المسؤولية” في الدفاع عن نفسها، لكنه يتعين عليها “بذل كل ما في وسعها لحماية المدنيين الأبرياء”.
وأكد بايدن، الذي طلب من الرئيس الجديد لمجلس النواب الموافقة سريعا على برنامج مساعدات لإسرائيل، أنه لم “يطالب” نتانياهو بإرجاء أي هجوم مزمع إلى حين إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس.
وأطلقت حماس سراح أربع نساء من الرهائن منذ مساء الجمعة. وطلبت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، إطلاق سراح الرهائن “لأسباب إنسانية وصحية”.
وقالت مورات بيتزير تيار (54 عاما)، التي احتجز ابن شقيقها وزوجته من كيبوتس نيريم، “القلق لا يحتمل”، مناشدة حماس “إظهار إنسانية”.
مستشفيات مغلقة
ودخلت غزة بضع عشرات من الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية منذ 21 أكتوبر، عبر معبر رفح مع مصر. ولا تزال هناك حاجة إلى ما لا يقل عن مئة شاحنة يوميا، وفق الأمم المتحدة.
وتدعو الأمم المتحدة إلى إدخال الوقود بشكل عاجل لتشغيل المولّدات الكهربائية في المستشفيات التي يتدفق عليها آلاف الجرحى، ولضخ المياه وتنقيتها، وتشغيل شاحناتها.
لكنّ إسرائيل ترفض قائلة إنّ ذلك سيفيد حماس، التي تصنّفها إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة “إرهابية”.
في مدينة غزة، قال مدير مستشفى الشفاء الطبيب محمد أبو سلمية إن “المستشفيات في حالة انهيار تام، عشر مستشفيات خرجت عن الخدمة”، مضيفا أن “أكثر من 90 في المئة من الأدوية والأدوات الطبية نفدت (…) وصلت مساعدات طبية لا تكفي ليوم واحد”.
وتعتبر واشنطن أنّ وقف إطلاق النار “في هذه المرحلة لن يفيد سوى حماس”. واقترح البيت الأبيض بدلاً من ذلك “هدنات إنسانية محدودة” لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، وهو موقف من المتوقع أن تتبناه دول الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعي الخميس والجمعة في بروكسل، وفق مصادر دبلوماسية.
وأقرّ نتانياهو، الأربعاء، بأنه سيتعيّن عليه تقديم “أجوبة” بشأن “الإخفاقات” الأمنية التي سمحت لحماس بشنّ هجومها المباغت على الدولة العبرية في السابع من الشهر الجاري.
وقال في خطاب متلفز: “ستتم دراسة الإخفاقات وسيتعيّن على الجميع تقديم أجوبة، بمن فيهم أنا. لكن كل ذلك سيتم لاحقا.. كرئيس للوزراء، أنا مسؤول عن تأمين مستقبل البلاد”.
ويحذر الجيش الإسرائيلي منذ 15 أكتوبر سكان شمال قطاع غزة بوجوب إخلاء المنطقة والتوجه إلى الجنوب، فيما نزح ما لا يقل عن 1,4 مليون فلسطيني من منازلهم في غزة منذ بداية الحرب، حسب الأمم المتحدة.
لكن الضربات تطال أيضا جنوب القطاع حيث يتجمع مئات آلاف المدنيين. وأصابت صواريخ، الأربعاء، متجر سوبر ماركت بمدينة رفح جنوب غزة. وأعلنت قناة “الجزيرة” القطرية، الأربعاء، أن غارة أخرى قتلت عائلة مراسل الجزيرة الرئيسي في غزة وائل الدحدوح.
وقالت أستاذة للغة الإنجليزية لجأت إلى منزل شقيقها في مخيم دير البلح وسط القطاع “نجوت من خمس حروب ومليون تصعيد، لكن مع هذه الحرب، يتهيّأ لي أنّ كلّ ما أفعله هو انتظار دوري لكي أموت”.
وبينما يخشى جزء من المجتمع الدولي اندلاع نزاع إقليمي، أعلن الجيش الإسرائيلي، الأربعاء، أنه ضرب بنية تحتية عسكرية في سوريا ردا على إطلاق نار استهدف أراضيه. وذكرت وسائل الإعلام السورية الرسمية أن ثمانية جنود سوريين قتلوا.
والتوتر مرتفع أيضا في الضفة الغربية المحتلة حيث قُتل أكثر من مئة فلسطيني في أعمال عنف منذ 7 أكتوبر، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، وكذلك على حدود إسرائيل مع لبنان، حيث يتم تبادل إطلاق النار يوميا بين القوات الإسرائيلية وحزب الله اللبناني.
وأكد بايدن أن هجمات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين في الضفة الغربية يجب أن “تتوقف فورا”، محذرا بأنها “صبّ للزيت على النار… هم يهاجمون الفلسطينيين في أماكن هي من حقهم… ويجب أن يتوقف ذلك فورا”.
المصدر: وكالات