استهدفت عمليات قصف إسرائيلية جديدة، الأربعاء، أول أيام عيد الفطر، قطاع غزة، حيث تواصل إسرائيل حملتها العنيفة على حركة حماس الفلسطينية رغم الضغوط الدولية، فيما يحاول الوسطاء التوصل إلى هدنة، من دون جدوى.
وفيما يحتفل المسلمون بأول أيام عيد الفطر، طالت ضربات حصدت أرواحا شمال قطاع غزة ووسطه، ولاسيما مخيم النصيرات للاجئين خلال الليل، على ما أفاد شهود.
ومع مرور ستة أشهر على بدء الحرب في السابع من أكتوبر، إثر هجوم غير مسبوق لحماس داخل الأراضي الإسرائيلية، تكثر الدعوات والنداءات الملحة لوقف إطلاق النار.
واعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أن الحكومة الإسرائيلية ترتكب “خطأ” في قطاع غزة، في واحدة من أقوى الانتقادات للإستراتيجية العسكرية المعتمدة، فيما ينبغي على حكومة بنيامين نتانياهو الأربعاء تبرير حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع المهدد بالمجاعة، مع استمرار الضربات رغم حلول العيد.
وقال الرئيس الأميركي لمحطة “يونيفيجين” الأميركية الناطقة بالإسبانية في مقابلة بثت الثلاثاء، عندما سئل عن طريقة تعامل نتانياهو مع الحرب: “أعتقد أن ما يفعله خطأ، أنا لا أتفق مع مقاربته”.
وأضاف بايدن: “لذلك ما أدعو إليه أنا هو أن يدعو الإسرائيليون فقط إلى وقف لإطلاق النار، والسماح خلال الأسابيع الستة أو الثمانية المقبلة بالوصول الكامل إلى جميع المواد الغذائية والأدوية التي تدخل البلاد”.
لكن هذه المقابلة سجلت قبل انسحاب الجنود الإسرائيليين الأحد من جنوب قطاع غزة، وزيادة كمية المساعدات الإنسانية التي تسمح إسرائيل بدخولها إلى القطاع في الأيام الأخيرة.
وعلى مسار التفاوض، طرحت الدول الوسيطة، وهي قطر ومصر والولايات المتحدة، اقتراحا على ثلاث مراحل، تنص أولاها على هدنة لمدة ستة أسابيع في الحرب المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر.
وينص المقترح في البداية على إطلاق سراح 42 رهينة إسرائيلية، في مقابل إطلاق سراح 800 إلى 900 فلسطيني تعتقلهم إسرائيل، ودخول 400 إلى 500 شاحنة من المساعدات الغذائية يوميا، وعودة النازحين من شمال غزة إلى بلداتهم، بحسب مصدر من حماس.
وتطالب حماس بوقف نهائي لإطلاق النار وسحب إسرائيل قواتها من كل أنحاء قطاع غزة وزيادة تدفق المساعدات، في وقت تقول الأمم المتحدة إن جميع سكان القطاع وعددهم نحو 2,4 مليون شخص يتضورون جوعا.
وأكدت الحركة أنها تدرس الاقتراح، مشددة في الوقت ذاته على أن إسرائيل “لم تستجب لأيٍ من مطالب شعبنا ومقاومتنا”؛ فيما قال البيت الأبيض الثلاثاء إن هذه التصريحات “ليست مشجعة”.
– “500 سنة إلى الوراء” –
رغم التحذيرات الكثيرة من العواصم الأجنبية التي تخشى وقوع خسائر فادحة في صفوف المدنيين، يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه مصمم على شن هجوم بري على رفح التي يعتبرها آخر معقل كبير لحركة حماس التي تتولى السلطة منذ عام 2007 في قطاع غزة.
وباتت هذه المدينة الحدودية مع مصر تضم نحو مليون ونصف مليون شخص غالبيتهم من النازحين، بحسب الأمم المتحدة، ما يثير مخاوف من ارتفاع الحصيلة الكبيرة أساسا للقتلى في حال وقوع هجوم بري.
وقال نتانياهو مجددا الثلاثاء: “ننجز القضاء على كتائب حماس بما يشمل رفح. لن توقفنا أي قوة في العالم”. إلا أن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن رأى أن هجوما إسرائيليا على رفح لا يبدو “وشيكا”.
وأعلنت إسرائيل الأحد سحب قواتها من مدينة خان يونس الكبيرة المجاورة بعد قتال استمر أشهرا عدة.
وعلى الفور عاد إلى المدينة آلاف الأشخاص وراحوا يبحثون بين أنقاضها عن منازلهم.
وقال سليم شراب: “عدنا 500 سنة إلى الوراء. كما ترى لا مأوى وملبس ولا مشرب ولا طرق، والناس يكلمون أنفسهم”، وأضاف: “حسبنا الله ونعم الوكيل. لا أعرف أين موقع بيتي، أنا من هذه المنطقة لكني تائه هنا”، وتابع: “نحن شعب يحب الحياة ولسنا شعبا دمويا أو سفاك دماء. نريد أن نعيش بسلام مثل باقي شعوب العالم”.
– “أتعس عيد” –
في أرجاء قطاع غزة أحيا الفلسطينيون بحزن الأربعاء عيد الفطر، مجتمعين للصلاة في الخيام، مع بعض السكاكر والحلويات التي تم تحضيرها رغم الأزمة الخانقة.
وفي القدس كانت مأساة غزة حاضرة في كل الأذهان في صفوف عشرات آلاف المصلين الذين تجمعوا في باحة الحرم القدسي محاطين بقوات الأمن الإسرائيلية.
وقالت روان عبد الممرضة البالغة 32 عاما من القدس الشرقية المحتلة: “إنه أتعس عيد يمر علينا. في المسجد يمكن رؤية الحزن على الوجوه”.
وأوردت حكمت أبو عنزة البالغ 43 عاما: “قلوبنا حزينة لأن كل الذين نحبهم رحلوا، لقد فقدناهم”.
– “تغير جذري” –
تواجه إسرائيل كذلك ضغوطا دولية كبيرة جدا للسماح بدخول مزيد من المساعدات إلى القطاع المهدد بالمجاعة بحسب الأمم المتحدة. في منتصف مارس رفعت خمس منظمات غير حكومية عريضة إلى المحكمة الإسرائيلية العليا أملا في أن تحمل السلطات على “احترام واجباتها كقوة احتلال” من خلال توفير المساعدة الضرورية للمدنيين في قطاع غزة.
وبعد جلسة أولى الأسبوع الماضي، أمهلت المحكمة الحكومة حتى العاشر من أبريل للرد على مجموعة أسئلة حول السياسة الإنسانية في قطاع غزة.
وعشية هذا الاستحقاق أكدت السلطات الإسرائيلية دخول 468 شاحنة الثلاثاء إلى قطاع غزة، وهو العدد الأعلى في يوم واحد منذ بدء الحرب.
وقالت رئيسة وكالة التنمية الدولية الأميركية سامنثا باور أمام مجلس الشيوخ: “نشهد تغيرا جذريا نأمل أن يتواصل ويتسع”، داعية إسرائيل إلى السماح بدخول أكثر من 500 شاحنة في اليوم “لأن الظروف تقترب من المجاعة في غزة”.
واندلعت الحرب في السابع من أكتوبر مع شن حركة حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل أوقع 1170 قتيلا غالبيتهم من المدنيين، بحسب تعداد أجرته وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام إسرائيلية رسمية.
وشنت إسرائيل حملة عسكرية مكثفة ومدمرة على قطاع غزة أسفرت عن مقتل 33482 شخصا معظمهم من النساء والأطفال، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحماس.
كذلك، خُطف خلال الهجوم نحو 250 شخصا مازال 129 منهم رهائن في غزة، ويُعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم، وفق تقديرات رسمية إسرائيلية.
والثلاثاء التقت عائلات رهائن نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في البيت الأبيض.
وقالت رايتشل غولدبرغ، التي مازال نجلها هيرش بين الرهائن: “نريد رؤية نتائج.. نحتاج إلى عودة أقاربنا إلى ديارهم”.
المصدر: وكالات