عملت دعوة الجراح العام الأمريكي فيفيك مورثي إلى “عرض تحذيرات عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي للإشارة إلى أضرارها على صحة المراهقين، والتأكد من عدم استخدام الهاتف أثناء التعلم في الفصول الدراسية واللقاءات الاجتماعية التي يجريها التلامذة”، على إثارة تفاعل أخصائيين ونشطاء في المجالات الاجتماعية والتربوية والنفسية.
أضرار تعلّمية ونصائح صحية
وفي هذا الإطار، قالت ندى الفضل، معالجة نفسية إكلينيكية: “يجب عدم استخدام الهاتف أثناء التعلم ولا داخل الفصول الدراسية واللقاءات الاجتماعية، ومن الأفضل أن ينتظر الآباء إلى ما بعد المستوى الدراسي الإعدادي للسماح لهم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، باستثناء الحاجة للبحث عن المعلومة”.
وأضافت ندى الفضل، بصفتها أستاذة باحثة في الصحة النفسية وعلم النفس المرضي الإكلينيكي، أن “استخدام الهاتف أثناء التعلم يؤدي إلى مجموعة من الأضرار الصحية والمشاكل المرتبطة بضعف التركيز وقلة الانتباه وتأثّر الإدراك، إضافة إلى ظهور صعوبات في التعلم والإصابة بالعصبية المفرطة”.
وأكدت المعالجة النفسية الإكلينيكية، في تصريح لهسبريس، أن “الأسرة مطالبة باتخاذ عدد من الاحتياطات لحماية الأطفال من المشاكل الصحية المذكورة، انطلاقا من تخصيص ساعتين في اليوم لاستخدام الهاتف، ومراقبة المواقع والألعاب المستخدمة من طرف الأبناء، وتعزيز ثقافة الحوار والتواصل مع الأبناء”.
وشدّدت الأستاذة الباحثة في الصحة النفسية على أهمية “المحافظة على الصحة النفسية للأطفال والشبان وحمايتهم من الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي”، منبّهة، في هذا الإطار، إلى أن “تعدد وتنويع الأنشطة والانشغالات اليومية للأطفال والشباب يساعدهم على تشتيت انتباههم على استخدام الهاتف”.
علاقة الهاتف بالدماغ والتعلّم
من جانبه، قال هشام العفو، استشاري متخصص نفساني رئيس رابطة متخصصي الصحة النفسية والعقلية بالمغرب، إن “هذا الموضوع لم يأخذ الحيز الكامل الذي يستحقه من باب التحليل والفهم والتشخيص والتوعية، نظرا لأضراره الخطيرة التي بدأت تظهر فعليا وتنعكس سلبا على التعلمات، خصوصا في مراحل الاستيعاب بجميع تفاصيلها الذهنية، باعتبارها عملية مركبة ودقيقة تتطلب الكثير من الحذر”.
وأوضح العفو أن “وجود الهواتف التي تلتقط الإشارات يؤثر بشكل كبير على اشتغال الدماغ، بحيث تشكل الذبذبات عناصر تشويش تؤثر على عمليات التركيز والتوازن الذهني وعلى عمليات النمذجة في التعلم، وقد حذر علماء الدماغ من هذا الأمر ودعوا إلى عزل العناصر المشوشة أثناء عمليات التعلم”.
ونبّه رئيس رابطة متخصصي الصحة النفسية والعقلية بالمغرب إلى أن “وجود عنصر التشويش، وهو الهاتف، يساهم في خلق إشارات يلتقطها الدماغ ويعمل على تحليلها وتفكيكها فتأخذ منه الجهد الكبير وتصبح عملية التعلم مفككة تتطلب مجهودا إضافيا، حيث يصاب المتعلم بالعياء الذهني والإرهاق، مما يضعف التعلم ويجعله أقل من المطلوب بشكل كبير”.
وأكد الاستشاري المتخصص النفسي أن “دور الأسرة محوري في هذه العملية، إذ لا يقتصر على التوعية والتحسيس فقط، بل يشمل إعطاء القدوة والنموذج، ثم التعامل مع الهاتف وشبكات التواصل الاجتماعي على أنها غير متاحة للطفل أقل من 14 سنة”، مشيرا إلى أن “الأسرة مطالبة بتفعيل بدائل مثل الرياضة وألعاب الذهن كالشطرنج وغيرها، وإشراك الأطفال في النوادي والجمعيات والأعمال الاجتماعية لإخراجهم من سجن العالم الافتراضي وتركهم ينمون بشكل طبيعي”.
الإدمان ومسؤولية الأسر
شدد هشام العفو على أن “الأسر تتحمل المسؤولية في وضع حدود لا يمكن مساومتها، وفي الوقت نفسه عدم إعطاء مساحات فراغ للأطفال، وضرورة الاطلاع المستمر على ما يقومون به في لحظات التواجد في الغرف بمفردهم”، منبها إلى أن “الأطفال لا يتحملون مسؤولية تقصير الأسر، بل إنهم ضحايا هذا التقصير، ولا يتعلق الأمر بالحرمان أبدا، بل بحمايتهم وتخصيص فترات نمو وتعلم طبيعية لهم كامل الحق فيها”.
وقال إن “مسألة التعاطي المبالغ فيه مع شبكات التواصل والتراسل الافتراضية أضحت اليوم من أكبر المعيقات في الحياة، وأصبحت أيضا تصنف في المواد التي يتم الإدمان عليها وتتطلب علاجات نفسية وطبية”، مضيفا أن “التأثير لا يمس الأطفال فقط بل حتى الشبان والكبار”.
وسجّل المتحدث أن “هذا النوع من الإدمان يؤثر على عملية الاستيعاب والفهم ويسبب التثاقل والارتباك للذهن الذي يصبح عاجزا عن استيعاب العمليات السريعة التي يقوم بها المتصفح أو استيعاب كمية المعلومات المأخوذة، التي لا تشكل أهمية للمتصفح، وبالتالي تصبح مجرد عمليات عبثية صورية يكون الذهن مجبرا على معالجتها وتخزينها في الذاكرة”.
وختم هشام العفو توضيحاته بالإشارة إلى أن “الفرضيات العلمية تؤكد أن مجموعة من الأمراض مثل الباركينسون والزهايمر وتلف العصبون قد تصبح الأكثر شيوعا في السنوات المقبلة، وبالتالي من الواجب التأكيد أن مراجعة التعامل المفرط، وأخذ الوقت الكافي للنوم، والتعاطي مع الواقع الحقيقي، قد تساهم في تفادي الأضرار وحماية الصحة النفسية والعقلية مستقبلا”.
المصدر: وكالات