في خطوة من شأنها معالجة الصعوبات التي تعترض الأمهات المغربيات المقيمات بالخارج، خاصة المطلقات منهن، عند إعداد الوثائق الثبوتية لأبنائهن، أعلنت مجموعة من القنصليات العامة المغربية بالخارج، على غرار القنصلية المغربية بنيويورك وجزر البليار، عبر حساباتها الرسمية على “فيسبوك”، أنه صار بإمكان المواطنات المغربيات التقدم لدى مصالحها لإنجاز أو تجديد جوازات السفر لفائدة أبنائهن القصر دون اشتراط حضور أو موافقة الأب، ما عدا في الحالات التي صدرت فيها أحكام وقرارات قضائية تحول دون ذلك.
وكان عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، قد كشف في جواب له على سؤال برلماني حول الإجراءات المتخذة لإنصاف الأمهات المغربيات على هذا المستوى، عن استعداد وزارته رفقة وزارة الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، لوضع إطار قانوني يمنح الأم حق إعداد الأوراق الرسمية لفائدة أبنائها دون اشتراط موافقة مسبقة من الأب. وتأتي هذه الخطوة القنصلية في سياق الورش الوطني لإصلاح مدونة الأسرة، في وقت تطالب فيه حقوقيات بتعديل يضمن المساواة في الولاية القانونية على الأبناء.
تفاعلا مع هذا الموضوع، قالت فتيحة شتاتو، محامية عضو فيدرالية رابطة حقوق النساء، في تصريح لهسبريس، إن الإجراءات التي اتخذتها المصالح القنصلية بالخارج تعيد النقاش حول “مسألة الولاية القانونية على الأبناء التي تثير مجموعة من الإشكاليات والصعوبات ليس فقط بالنسبة للنساء وإنما للأطفال أيضا، إذ بينت الممارسة العملية ضرورة إعادة النظر فيها وتعديل المواد القانونية المنظمة لها، والأمر يتطلب تعديلا قانونيا وليس مجرد مناشير”.
وأكدت الحقوقية ذاتها “ضرورة تدخل المشرع المغربي لحماية المصلحة الفضلى للطفل التزاما بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب على غرار اتفاقية حقوق الطفل، إضافة إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكل التمييز ضد المرأة”، مشيرة إلى أن “الأسرة المغربية اليوم تطورت والمجتمع كذلك. وبالتالي، فإن النص القانوني بدوره يجب أن يواكب هذا التطور، خاصة وأن المدونة الحالية جاءت قبل الدستور المغربي الجديد، وبذلك باتت مسألة ملاءمة هذه المدونة مع الدستور ومع الالتزامات الدولية أمرا مُلحا”.
ولفتت المتحدثة إلى أن “ورش إصلاح مدونة الأسرة يجب كذلك أن يركز على أوضاع الجالية المغربية المقيمة بالخارج التي لديها هي الأخرى مشاكلها وهمومها. وبالتالي، فإن هذا الورش الوطني العام يجب أن يستهدف تحقيق المساواة ما بين الجنسين في ممارسة الحقوق الأسرية”، مضيفة أن “الملك محمدا السادس طالما أكد ضرورة النهوض بحقوق النساء وإشراكهن في صنع القرار، كما أشار إلى أن الاجتهاد في المادة الأسرية يجب أن يكون منفتحا. وبالتالي، فجميع الإشارات موجودة ويجب فقط التقاطها وتفعيلها على أرض الواقع”.
من جانبها، أوردت أمينة التوبالي، عضو ائتلاف “المناصفة دابا”، أن “هذه الخطوة التي أقدمت عليها بعض التمثيليات المغربية في الخارج هي خطوة في الاتجاه الصحيح من أجل تحقيق المساواة بين الجنسيين فيما يتعلق بالولاية القانونية على الأبناء”، مشيرة إلى أن “هذا الإشكال تعاني منه النساء المغربيات داخل وخارج أرض الوطن عل حد سواء، إذ هناك حالات لنساء تعرضن للهجر من طرف أزواجهن أو أنهم كانوا مشغولين أو حتى هاربين من العدالة. وبالتالي، فإن اشتراط موافقتهم وحضورهم لإعداد الوثائق الرسمية للأبناء يتنافى مع مبدأ المصلحة الفضلى للطفل”.
وأوضحت الفاعلة الحقوقية ذاتها، في تصريح لهسبريس، أن “استمرار إقصاء النساء من حقهن في الحصول على وثائق إدارية معينة لفائدة أبنائهن ينطوي على تمييز ضدهن”، مضيفة أن “هذه القرارات القنصلية ستعبد الطريق لإصلاحات حقيقة على مستوى مدونة الأسرة، خاصة وأننا على بعد أيام من انتهاء الأجل الذي حدده الملك محمد السادس للجنة المكلفة بهذا الموضوع”.
وخلصت التوبالي إلى أن “إقرار مبدأ المساواة والمناصفة في الولاية القانونية على الأبناء، هو مطلب تعديلي تُجمع عليه جميع التيارات السياسية والحقوقية المغربية باختلاف انتماءاتها الفكرية ومرجعياتها”، مشددة على أن “القوانين الوضعية الوطنية يجب أن تحترم أولا مقتضيات الدستور الذي ضمن في الفصل الـ 19 منه للمرأة والرجل على قدم المساواة حق التمتع بالحقوق والحريات المدنية والسياسية وغيرها، وكذا أن تحترم المواثيق الدولية، وبالتالي رفع الضغط الذي تعيشه محاكم الأسرة نتيجة تراكم هذا النوع من القضايا”.
المصدر: وكالات