الاعتراف الذي آلم الجيران
لا يختلف قلبان حول أن فلسطين في قلب كل مغربية ومغربي مهما يكن موقعه /ها؛ بدءا من المواطنة العادية، ووصولا إلى أعلى مراتب الدولة حيث جلالة الملك – إضافة إلى فلسطينيته المتماهية مع هوى شعبه – رئيسٌ للجنة القدس.
هذا الهوى الفلسطيني المغربي لم ينخرط أبدا في الصراعات الداخلية الفلسطينية ـ الفلسطينية؛ لأن النزعة الفلسطينية المغربية عقدية، تاريخية، وحتى ديموغرافية.. وليس صدفة أن تكون لنا أبواب على التاريخ، نضم إليها دائما باب المغاربة بالأقصى، التي نعتبرها امتدادا لباب بوجلود بفاس، باب سيدي عبد الوهاب بوجدة، باب الرواح بالرباط وغيرها.
وليس صدفة أيضا أن تكون لنا بفلسطين – التسمية الأصل – ساكنة يهودية تقدر بالمليون ظلت مغربية لقرون، قبل أن تختار الالتحاق بدولة إسرائيل.
طبعا، لا تعارض في كل هذا مع اعتراف الدولة الرسمي بإسرائيل؛ بل لو لم تعترف بها، وهي عضو في الأمم المتحدة، وفي وسط إقليمي، وحتى فلسطيني، أغلبه يعترف بها، لبدا الأمر نشازا.
هذا ما تأكد حينما استقبل عاهل البلاد الوفد الإسرائيلي رفيع المستوى استقبال بيعة أكثر منه استقبال اعتراف؛ لأن قيادة الوفد اختارت ذلك – بمحض إرادتها – لمغربيتها الضاربة في القدم.
إن الجوار العسكري الجزائري الذي يهاجم المغرب – خصوصا ونفير حماس يصم الآذان اليوم – ويتهمه بالاستقواء بإسرائيل، وبيع فلسطين لا يصدر عن حاضر الجوار، كما عاث فيه فسادا وعقده، بل عن إحساس بالغبن التاريخي إزاء كل هذا البذخ التاريخي المغربي، الذي اكتمل بإحياء مليون يهودي مغربي إسرائيلي لمغربيتهم.
وفي خلفية هذا الإحياء ملايين من المغاربة، ينتظرون في الصحراء الشرقية العودة إلى وطنهم الأم خصوصا وفرنسا الإفريقية تنهار أمام أعينهم.
إسرائيل وفلسطينية المغاربة
يبدو مفارقا أن أقول: إن إسرائيل وهي تستقبل بالأحضان اعتراف الدولة المغربية، وقد تأخر ثم وهي تنضم إلى أقوياء العالم وضعفائه، المعترفين بالحق التاريخي والجغرافي للمغرب على صحرائه، لم يكن واردا لدى ساستها وحكمائها إضعاف الهوى الفلسطيني في نفوس المغاربة خلافا لما تجنح إليه بعض التحليلات المغرضة.
أيهما الأكثر فائدة لإسرائيل، الطامحة أكثر من أي وقت مضى إلى إسرائيل أخرى تؤسسها في قلوب العرب، دولة مغربية قوية بتاريخها منخرطة في عروبتها بكل قضاياها أم دولة نشاز في محيطها يتيمة الهوية وضحلة التاريخ؟
حكماء إسرائيل يدركون أن أغلب الطرق الموصلة إلى الأمن والسلام الإقليميين تمر عبر المملكة المغربية كما هي بكل أبوابها، حيثما وجدت.
ولا أحد ينكر أن المرحوم الحسن الثاني لعب دورا بارزا في ما تحقق للفلسطينيين، وللإسرائيليين، في أوسلو وهو طبعا هش؛ لكنه مرحلي، مفتوح على انتظارات مستقبلية كبرى، شريطة ظهور ساسة كبار، في حجم وتعقيد القضية.
لهذا، لم أصادف، في ما تتبعت مستقصيا، أي شرط إسرائيلي رسمي – له تعلق بالانتصار للفلسطينيين – تثقل به مسار اتفاقيات “أبرهام”، سواء بالنسبة للمغرب أو سائر الدول المنخرطة فيها.
لدى ساسة إسرائيل ما يكفي من الحكمة ليفهموا بأن دينامية مشروع التطبيع لا يمكن أن تشتغل إلا واقعية تراعي قناعات الحكام والشعوب معا.
لا يمكن أن تقول إسرائيل بغير هذا، وهي ترى القوى العالمية في تحول دائم وهي الأكثر دراية بكون قوتها لن تظل في جيوشها –أبد الدهر – بل في قوة وتماسك وقبول محيطها بها.. وهل هذا هين؟
أي موقع للاقتتال الحالي؟
قبل اقتراح إجابة أمضي وفق مسلمات هذا المقال وهي تؤسس لجعل انتصار الشعب المغربي للفلسطينيين المظلومين في المعارك الدائرة رحاه حاليا أمرا عادلا ومطلوبا ولا يتعارض في شيء مع اعتراف الدولة الرسمي بإسرائيل، كما يوهم بعض الإعلام بذلك.
والأمر ليس مفاجئا حتى للإسرائيليين وهم يدركون أكثر من غيرهم أن عداء عشرات السنين، إن لم أقل القرون، لا يمكن أن يزول أو يضمحل، ومداد الاعتراف لم يجف بعد.
ويدرك ساسة إسرائيل قبل غيرهم ألا شيء تحقق للفلسطينيين تحت مظلة اتفاقيات “أبرهام”.
المشروع ضخم والرهان شاسع عريض، ولن يحدث التحول العقدي والسياسي والثقافي إلا بطيئا ومتدرجا هذا في حال ملازمة قطار التطبيع لسكة المنطلق، وتوفر القادة المهرة. أما في حال ظهور قوى أخرى تلون الصراع الحالي بألوانها حتى لا يُفوِّت عليها السلام والوئام في المنطقة شيئا، ويخلق واقعا يردي مشروعها التوسعي الاستعماري، فإن المبيدات ستفني الثمار وهي بعد في مرحلة الإزهار.
لا أرى الاقتتال الحالي إلا ضمن هذا التصور؛ وعليه، فخلف قبعات كتائب القسام وحزب الله لا توجد غير عمائم ولاية الفقيه في إيران.
يفضلونها –فلسطين – صهيونية ظالمة، معادية لمحيطها، على أن تكون مسلمة سنية، ويهودية ينعم فيها الشعبان بالسلام والنماء، ضمن دولتين، إلى أن تتحدا إن اختارتا ذلك ولو بعد قرون.
ولنرضي، كمغاربة، هذه الهجمة الشيعية، بمسميات عديدة، علينا أن نطرد من جنسيتنا مليون يهودي مغربي بفلسطين، وإسرائيل المرتسمة فيها خريطة حديثة يعترف بها العالم.
وعلينا أن نعتذر لـ”البوليساريو” ونرد عليهم حواضر الصحراء، التي بنيناها بحبنا وصبرنا وأموالنا وحتى بجوعنا.. نردها عليهم بطرقها السيارة، الضاربة في عمق مغربيتها القديمة والحديثة.
ونختم بالتحلل، صوما، من قسم المسيرة الخضراء.
وختاما، لا أرضى لنفسي، ولمن اقتنع برأيي، بغير المجاهرة بمحاربة المشروع الإيراني البئيس؛ لكن هذا لا يمنع من مناصرة إخواننا الفلسطينيين في محنتهم الحالية، خصوصا الشعب الأعزل الذي نرى فيه جداتنا وأمهاتنا وأخواننا وأخواتنا.
والمنتظر من جميع الأطراف، في اتفاقيات “أبرهام” – خصوصا دولة إسرائيل – صناعة السلام الحقيقي في المنطقة، وكل حروفه ومعانيه معروفة. وإلى أن يتحقق هذا، سيظل المقاتل الفلسطيني –فتحويا أو غزيا- صاحب قضية تستدعي النصرة.
ولا حرج في المغرب اليوم، كما يزعم المتقولون.
المصدر: وكالات