بعدما عاش مرحلة الطفولة المبكرة في المغرب، وحلم مدة تقارب عقدين اثنين بممارسة مهنة الطب، شاءت الأقدار أن يمضي أيمن أمارير السنوات الـ14 الماضية مقيما في كندا وحاصلا على جنسيتها، ويغدو الشاب نفسه طيارا يتنقل بين المحطات الجوية بعد استيفاء مهام التحليق الموكولة إليه.
التحولات المتتالية في حياة أيمن علمته تثبيت الانفتاح على التغيير دوما؛ لذلك يبقى هذا الطيار غير حاسم لما يمكن أن يقوم به غدا، إذ قد يرحب برفع مركبة ‘’فالكون’’ في السماء مثلما يمكنه أن يسطر برنامجا بيداغوجيا لتأهيل ‘’طياري الغد’’، أو يتجاوب مع سبيل يجعله مستثمرا في مشاريع هنا وأخرى هناك، بينما الثبات يلوح عند ربط أمارير بأكادير؛ فلا يراها غير مصدر للسرور باعتبارها أرض الجذور.
فترة قصيرة في سوس
ازداد أيمن أمارير في مدينة أكادير خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وفي عاصمة جهة سوس بقي 11 سنة؛ منها قسط وافر في مدرسة السملالي الخصوصية حيث تلقى أول دروس القراءة والكتابة، بينما شاءت الأقدار أن يكون استكمال المسيرة الدراسية اللاحقة في دولة كندا.
يقول أيمن إنه يتذكر جيدا تفاصيل فترة ما قبل الهجرة رغم صغر سنه حينها، وأن ذاكرته لا تزال تخزن أحداثا سعيدة مرتبطة بأكادير في سنة 2012 وما قبلها، ويزيد: ‘’ما زلت ألتقي أصدقائي القدامى كلما توجهت لقضاء فترة عطلة في الوطن الأم، وفي باقي الأوقات يحضر التواصل بيننا عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
وعلى الرغم من ابتعاده عن فضاء الولادة والنشأة الأولى، فإن أمارير عمل على التشبع بالثقافة المغربية من خلال التربية التي حظي بها في أحضان أسرة تصون مميزاتها الهوياتية رغم العيش في منطقة أمريكا الشمالية، ويحرص لسان أيمن على النطق بـ’’تمغرابيت’‘ كلما تأتى له الالتقاء بشخص يفهمها.
على خطوات الخالة
عند وصوله إلى السنة الخامسة من التعليم الابتدائي، وجد أيمن أمارير نفسه مهاجرا إلى كندا، مرافقا والديه بعدما اختارا خوض تجربة البحث عن آفاق اجتماعية واقتصادية أرحب، وكان مدعوا بالتالي إلى الاستئناس بإيقاع الاستقرار في مونتريال.
“استند قرار هجرة أسرتي على ما رآه الوالدان ملائما، فقد سبقتنا خالتي إلى كندا، وكانت لا تتردد في الحكي عن محاسن هذه البلاد، وتأخذ ما تحتاج من وقت كي تعدد المكاسب الناجمة عن ذلك، وبالتالي جاء التأثير علينا في فترة لاحقة’’، يقول أيمن.
ويرى الوافد من أكادير أن الحديث بالفرنسية قبل الهجرة وأيضا الإقبال على ممارسة الرياضة بالانتماء إلى فريق لكرة القدم بمونتريال قد سهلا اندماجه في فضاء العيش البديل، كما يسرا نسج صداقات مع الأقران؛ وبالتالي لم يواجه أية صعوبات في المعاملات الدراسية والتفاعلات الاجتماعية.
من الطب إلى الطيران
لم يكن أيمن أمارير يرى نفسه حاضرا مهنيا في مجال غير الطب. ولذلك، اتجه في المرحلة الثانوية إلى شعبة علوم الحياة، مع التركيز على علوم الصحة؛ لكن اللحاق بركب المقبلين على اجتياز مباراة كلية الطب تعثر نتيجة وعكة صحية طارئة، وبالتالي أضحى في وضعية لم تخطر على باله في أي وقت سابق.
وبشأن ما وقع حينها يقول ذو الأصل المغربي: ‘’جرى كل شيء في إحدى مباريات كرة القدم، وصرت ضحية إصابة على مستوى الجمجمة، إذ غدوت معرضا لأضرار دماغية.. أحمد الله لأن التأثيرات السلبية جاءت طفيفة. وبعد التعافي الكلي، صرت مطالبا بالبحث عن استدراك مسار التكوين كي لا أخسر مزيدا من الوقت”.
“فتحت متصفحا للأنترنيت من أجل البحث عن لوازم الاشتغال شرطيا، وعند رقن حرف P برزت كلمة طيار (بالفرنسية). وفي ذلك الحين اقترحت علي أمي أن أدرس الطيران’’، يضيف أمارير قبل أن يزيد: ‘’زرت مؤسسة تتولى تأطير الراغبين في التحليق، وأخذت القرار بتجريب حظي ضمن هذا الميدان”.
تكوين بمسار سريع
فضّل أيمن أمارير التخرج طيارا من مؤسسة خاصة في مونتريال بدل مدرسة عامة في ‘’شوكوتيمي’’، حيث حظي بالقبول أيضا، مراهنا على هذا الخيار ذي الكلفة العالية كي يختصر مدة التكوين إلى الثلث، والبقاء في حيز مكاني يتيح له التفرغ للدراسة في وضعية مريحة.
وعن هذه المرحلة، يورد المنتمي إلى صف الجالية المغربية بكندا أنه أخذ القرار بعد تشاور طويل مع أبي؛ فقد قرر أمارير الأب مساعدة ابنه بضمان المتطلبات المالية للتكوين في الطيران، وكان على ‘’طيار الغد’’ إنهاء المطلوب منه في سنة واحدة فقط.
كما يقول أيمن: ‘‘طلبة الطيران في كندا يخضعون للاختبارات نفسها، سواء كانوا في القطاع العمومي أو ضمن نظيره الخصوصي. وتشرف على هذه الامتحانات الأطر الإدارية نفسها. كما أن وزن الخريجين لا يتغير عند المشغلين، سواء تم الحصول على الدبلوم ببرنامج تكوين مسرّع أو خلال المدة العادية للتكوين؛ بينما تميل الكفة إلى الحاصل على أكبر ساعات من التحليق لاحقا”.
الطيران برحلات دولية
أتيحت لأيمن فرصة العمل مؤطرا في تعليم الطيران بعد تخرجه؛ لكنه نأى بنفسه عن هذا الخيار مثلما تجنب الاشتغال على مركبات تقوم برحلات جوية ذات مسافات قصيرة، مبتغيا الحصول على إمكانية العمل في الأجواء أطول مدة ممكنة، وإعطاء نشاطه المهني المكانة المبتغاة منذ الاستقرار عليه كخيار بعد الانتهاء من الدراسة الثانوية.
بقي أمارير طيارا ‘’في وضعية انتظار’’، ينتظر الفرصة المواتية كي ينطلق في العلياء، ثم جاء ذلك من خلال شركة مستقرة في منطقة بليز في جنوب كندا، تحمل اسم ‘‘تروبيك إير’’، ليشرع في القيام برحلات دولية على متن مركبة تتسع لـ13 راكبا، ثم التطور بروية قبل أن تتوقف الأحوال بسبب تفشي جائحة ‘’كورونا’’؛ ويتوقف النقل فترة طويلة.
“تخطيت التأثير السلبي لفترة كوفيدـ19 بقبول عرض للعمل في تكوين طلبة الطيران، ضمن مدرسة خاصة أعجبت بأفكاري في جلب المسجلين الأجانب، وقد صرت مديرا بيداغوجيا في هذه المؤسسة؛ لكنني عدت إلى الطيران. كما أطلقت استثمارات بمعية شركاء، إذ ما زلت أراهن على تطوير مطعم مع مشروع للتوصيل الغذائي.. وحاليا، أحلق من طورونطو برحلات دولية، نحو أوروبا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية’’، يورد أمارير.
الإقبال بلا تردد
يؤكد أيمن أمارير أن الراغبين في التحول إلى طيارين يمكنهم أن يجدوا ضالتهم في التكوينات المتاحة على التراب الكندي، سواء كانوا من المستقرين في البلاد أو من الأجانب. وفي هذا الصدد، يفيد ابن سوس بأن الكلفة المالية للاستفادة من هذا التأطير تبقى من الأرخص إذا ما حضرت المقارنة بما هو موجود على الصعيد العالمي.
ويضيف الشاب المغربي المستهل سنته الـ14 في الهجرة: ‘’صرت أعشق العمل المقاولاتي أيضا، ولدي أفكار عديدة لا سبب لعملي على تأجيل تنفيذها غير الوعي بضرورة الحصول على مال أوفر لإطلاق مشاريع في مجال الطيران؛ لكنني متأكد من بلوغ هذا المستوى مستقبلا”.
“أنصح الفئة الشابة المبتغية الهجرة القانونية إلى كندا بالإقبال دون تردد، إذ على المرء أن يؤمن بذاته دون منح آراء الناس قيمة أكبر. لذلك أقترح على الراغبين في أية معلومات ضمن هذا الإطار بالتواصل معي على مواقع التواصل الاجتماعي، ولن أدخر جهدا في اقتراح ما يفيد كل من يراسلني عبر السوشلميديا’’، يختم أيمن أمارير.
المصدر: وكالات