لا تزال المزاعم والادعاءات ضد المغرب بشأن استعمال برنامج التجسس “بيغاسوس” تثير تفاعلا مستمرا منذ سنة 2021 وإلى حدود اليوم، حيث بدأت اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي في عقد جلسات استماع لعدد من الخبراء التقنيين لكشف الحقيقة.
اللجنة، وهي مؤسسة عمومية، بادرت في غشت من عام 2021 بدراسة موضوع هذه الادعاءات التقنية الصادرة ضد المغرب في هذا الصدد من طرف مختبر “Citizen Lab” الكندي، ومنظمة العفو الدولية (أمنستي)، وجمعية “قصص ممنوعة” (Forbidden Stories).
وكان المغرب قد أعلن عن إدانته لما وصفه بالحملة الإعلامية المتواصلة التي تروج لمزاعم باختراق أجهزة هواتف عدد من الشخصيات العمومية الوطنية والأجنبية باستخدام برنامج معلوماتي، واعتبر أن الأمر “ادعاءات زائفة لا أساس لها من الصحة”.
خلال الأسبوع الجاري، استقبلت اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ممثلين عن منظمة “أمنستي” بالمغرب أكدوا عدم توفرهم على المعطيات التقنية للرد على التساؤلات، كما عقدت جلسة نقاش مع الخبير الأميركي جوناثان سكوت، كاتب تقرير “Exonerating Morocco – disproving the Spyware”، الذي يقدم رواية تدحض رواية تقرير “سيتيزن لاب”.
اللجنة أكدت أنها تناقش الجوانب التقنية للموضوع ولا تستند إلا على الحقائق المثبتة، وتعمل وفقا لمقتضيات القانون 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي من أجل إبراز الحقيقية من خلال نقاشات وتوضيحات، وأعلنت استعدادها لعقد جلسات استماع لجميع الخبراء التقنيين، الوطنيين والدوليين، الراغبين في تقديم تحليلاتهم واستنتاجاتهم ومشاركتها شريطة أن تستند إلى منهجيات واقعية وحقائق مثبتة.
جوناثان سكوت
أشار الخبير الأميركي جوناثان سكوت، خلال جلسة نقاش شارك فيها أمس بمدينة طنجة، إلى أن الاتهامات ضد المغرب بالقيام بمراقبة غير قانونية لعدد من النشطاء من المجتمع المدني، ظهرت لأول مرة منذ أكثر عقد، حيث بدأ الأمر مع مجموعة من الباحثين في السياسات العمومية من جامعة تورونتو من خلال مختبر يسمى “The Citizen Lab”.
بحسب جوناثان، فإن أول اتهام للمغرب من طرف هذا المختبر الكندي كان عام 2012، حيث تم نشر ثلاثة أجزاء من تقارير تصف المغرب بأنه “نظام قمعي”، لتنضم مجموعات دفاع عن حقوق الإنسان إلى هذه الاتهامات، منها “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” و”فوربيدن ستوريز”.
وعلى الرغم من ضعف الأدلة التقنية والعلمية المقدمة في التقارير، استمرت الحملة ضد المغرب في التصاعد، ووصل الأمر إلى إصدار البرلمان الأوروبي قرارا يدين المغرب، في تجاهل تام لما يبرئه، معتبرا أن هذه التقارير لم تحترم المتطلبات الأساسية من خبرة مضادة، كما اعتمدت منهجية لا يمكن اعتبارها ضمن عمليات “التشريح الطبي” للقضايا ذات الطابع التقني.
وقال جوناثان في هذا الصدد: “تم اعتبار المغرب مذنبا بسرعة هائلة دون تحليل الدلائل، ولا أحد رأى تقريرا للشرطة أو علم أين هي الهواتف المحمولة، لكن وسائل الإعلام أخذت التقارير كلها كأنها حقيقة مطلقة”.
العلاقة مع “أمنستي”
كشف جونثان أنه كان قريبا من منظمة العفو الدولية، وأشار إلى أنه تمت دعوته من طرف منظمة “Front Line Defenders” من أجل تكوين في تقنيات “التشريح الطبي التقني” لفائدة المدافعين عن حقوق الإنسان، وفيما بعد تعرف على عضو من منظمة العفو الدولية دعاه فيما بعد لتقديم مساعدة فيما يخص برنامج التجسس “بيغاسوس”.
خلال حديثه عن علاقته مع “أمنستي”، قال جوناثان إن الحيرة انتابته حين اكتشف أن هذا العضو من منظمة العفو الدولية لا يعرف كيفية استخراج بيانات من جهاز، وبدأ يطرح أسئلة حول التقارير التي يصدرونها، ليتم إبعاده من دائرتهم، ونشر هذا الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي ليتلقى اتهامات من لدنهم بأنه غير موثوق.
لكن ما الذي دفع جوناثان لمعارضة “أمنستي” وإصدار تقرير لصالح المغرب؟ يقول الشاب الأميركي في هذا الصدد: “أنا أبحث عن الحقيقة في هذا التخصص الذي أتقنه”، وأبعد عنه مزاعم إقناعه أو استقطابه من طرف المغرب بالقول إنه باع عددا من الحلول التقنية بأكثر من 6 ملايين دولار، ولا مبرر يدعوه لاتخاذ مواقف مدفوعة.
“كما يحدث أمام جريمة، يجب اللجوء إلى الشرطة أو أي جهاز حكومي أو قضائي، وليس أمنستي، لنتساءل من احتفظ بالأدلة؟ وأين نقلت؟ وكيف تم حفظها؟ وهل كانت الهواتف المحولة تتوفر على شريحة؟ هل تم إتلافها وكيف تم فتح هذه الهواتف؟”، يتساءل جوناثان.
وأشار إلى أنه “في حالة اختراق هاتف عن طريق برنامج بيغاسوس، يجب التأكد من أنه مرتبط بخادم من تحديد مصدر الاختراق، ويجب إخضاع الهاتف لمراقبة مباشرة. أمنستي وسيتيزن لاب استعملا معطيات iCloud بطلبها من الضحايا المفترضين بكل ثقة، وهذه الطريقة غير كافية في إطار التحقيق الاستقصائي”.
سكوت أوضح أيضا أن مختبر “Citizen Lab” استخدم أداته الخاصة المسماة “MVT”، من أجل الكشف عن وجود برنامج “بيغاسوس” في عينات من عمليات الاحتفاظ في هواتف الضحايا المزعومين، وأكد أن “هذه الأداة تستعمل نوعا من السكانير للعثور على الكلمات المفتاحية في عملية حفظ معطيات الهاتف”، وأكد “هذه الكلمات المفتاحية غالبا ما تكون مستمدة من التطبيقات المتضمنة أصلا في الهاتف، أو تلك التي تم تحميلها من AppStore، وليست لها أي علاقة مع برنامج بيغاسوس”.
لتأكيد ما يقدمه الخبير الأمريكي، قام بإحداث تطبيق خاص به ثم تحميله على جهاز “أيفون” قبل أن يتم كشفه من طرف “MVT” على أنه برنامج “بيغاسوس”. كما ذكر أن منظمة العفو الدولية وجدت أن هذه الأداة تشوبها عيوب، ولذلك سارعت لإزالة ما يسمى “الحالات الإيجابيات الخاطئة” (faux positives) من تقاريرها دون إبلاغ العموم.
المصدر: وكالات