إصداران جديدان للمفكر والأكاديمي محمد نور الدين أفاية رأيا النور خلال السنة الجارية، أحدثهما “الزمن المنفلت: هل ما يزال المستقبل مرغوبا فيه؟”، والآخر طبعة محيّنة ومزيدة من كتاب “الديمقراطية المنقوصة.. في ممكنات الخروج من التسلطية وعوائقه”.
ويبيّن كتاب “الديمقراطية المنقوصة” الصادر عن منشورات “الخيام” أن ثمّة لبسا “كبيرا بين الديمقراطية والليبرالية السياسية، خصوصا وأن أسئلة متجددة تفرض ذاتها عن التمثيلية، والحقوق، والرأي العام، أو تطرح على صعيد التحكم في الصراعات، واقتراح أساليب جديدة لتسيير قواعد العقد الاجتماعي”.
وتابع “إذا اعتبرنا أن الديمقراطية الحديثة اقترنت، تاريخيا، بالليبرالية، فهي ليست مكسبا نهائيا، لأن الديمقراطيين هم الفاعلون الحقيقيون للديمقراطية شريطة عدم السقوط في اعتبارها مجرد واجهة لحماية الرأسمال، أو لتبرير الأوتوقراطية، والريع، أو التمترس وراء التقليد بالاعتماد على مستندات رمزية تجعل من الفاعل السياسي ماسكا بأمور السياسة، باسم الماضي، أو القوة”.
الأكاديمي المغربي، الذي شغل مناصب المسؤولية داخل الجامعة وخارجها في مؤسسات مثل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وأكاديمية المملكة المغربية والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ينفي عن الديمقراطية كونها مجرد دعوة أو شعار للاستقطاب، وينادي بالنظر إليها في تعقدها، فهي “نشاط مدني يستدعي الاحتكام إلى عمليات انتخابية نزيهة، وإلى قواعد المشاركة، واحترام الشروط المطلوبة للالتزام بالمشاريع والسياسات، وتستدعي انتباه الفاعلين الدائم إلى المتغيرات الاجتماعية والثقافية والمؤسسية للقيام بأدوارهم المنوطة بهم على الوجه الأمثل، وتطوير المقتضيات المعيارية والتنظيمية لتجويد أدائهم خدمة لأوسع الفئات الاجتماعية”.
كما يتعين النظر إلى الديمقراطية بكونها ذات أبعاد، من بينها الحرص على أن تبقى نموذجا لتدبير شؤون المجتمع والمصلحة العامة، وضمان الحقوق الأساسية، وتيسير الالتزام بالواجبات، وتوسيع دائرة المساواة بين الناس، والنظر إليها كنمط للحكم يقوم على التداول، وتجديد النخب، والمحاسبة.
والديمقراطية، بالنسبة لأفاية، لا يكفي التعامل معها باعتبارها شعارا، أو حتى مطلبا، وإنما هي “صيرورة تنطلق من التربية، والتعليم، والتأهيل، وتتعزز بالاختيارات الثقافية الحديثة حقا”.
ومع كتاب “الديمقراطية المنقوصة” المفكِّر في التحديث السياسي وتركيب عملية التحرر من الاستبداد مع توقّف عند السياسة بالمغرب واقعا ومستقبلا مأمولا، صدر أيضا كتاب “الزمن المنفلت” عن “المركز الثقافي للكتاب للنشر والتوزيع”.
ويقول المنشور الجديد إن مسألة الزمن “تحتل في علاقتها برهانات التقدم مساحة رئيسية في كل فصول هذا الكتاب؛ باعتبار أن الفكر، في تمظهراته المختلفة، يعرف قلقا بسبب مفاجآت الأحداث، واكتساح التكنولوجيات، في تنوع وسائلها واختراعاتها، وتنامي التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية”.
وهذا ما يضع المفكر اليوم، يواصل المصدر ذاته، “في قلب إشكاليات لا تتوقف عن التبدل، وأمام اشتراطات نظرية ومنهجية متجددة تفرض ذاتها لإنتاج فهم مناسب لأسئلتها ولغاتها ورهاناتها، خصوصا وأن التأثير الواسع، الذي تمارسه وسائط التواصل الاجتماعي والتكنولوجيات الرقمية، اليوم، لا يتوقف عن إنتاج الشك في الوقائع، وعن نشر الضلال بطرق أسرع من قدرات من يملك بعض عناصر الحقيقة، ما دام زمن الخطأ والخداع، في هذه المواقع، له وتيرة متسارعة لا يضاهيه زمن الحقيقة”.
ويتناول القسم الأول من الكتاب الجديد “جملة قضايا تهم الزمن والتقدم وما يواجهه الفكر من حيرة أمام ما نعيشه من تسارع في كل مستويات الوجود والحياة، وما ينتج عن هذا التسارع من ضياع واستلاب ونسيان، ومن اهتزاز في العلاقات مع الذات، والآخر، والمكان، والمدينة، والثقافة”، كما يهتم بـ”موضوع التفلسف في السياق العربي، وتجليات الفكر الفلسفي الإفريقي المعاصر، الذي بدأ عدد من منتجيه يفرضون أسماءهم وأطروحاتهم على أوساط المناقشات الفلسفية العالمية الحالية”، علما أن هذه “تجربة في الفلسفة غائبة عن التداول الفكري في السياق العربي”.
هذا القسم، الذي من بين ما يضمه فصل حول “البنية التحتية للنهضة، وما تستلزمه من مبادئ وقيم كبرى من حرية، واعتراف، وعدالة، واستحقاق، وتسامح”، يليه قسم ثان يراجع “نصوص مفكرين ومثقفين وفاعلين جعلوا من الكتابة فعلا للتعبير عن الذات والوجود، وللدعوة إلى استنبات مقومات النهضة والتحديث، وللاعتراف المبدئي والعملي بالتعدد الذي يشكل، واقعيا، مصدر ثراء الرأسمال الرمزي والثقافة السياسية”.
المصدر: وكالات