قال المفكر والأكاديمي المغربي محمد نور الدين أفاية إن المطلوب من أجل نهضة المغرب خمس رافعات؛ أولاها “الرافعة السياسية الحقيقية التي لا بد منها ببناء دستور ديمقراطي وحكومة ديمقراطية، وبدون ذلك لا شك (ستكون) كثير من المشاكل”. وثانية الرافعات “رافعة اقتصادية حقيقية، باقتصاد إنتاجي لا ريعيّ يؤمّن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”.
وتابع أفاية، في كلمة بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط: “ثالثة الرافعات، الرافعة الاجتماعية”؛ لأن الحديث جارٍ عن الدولة الاجتماعية، و”نحن في حاجة لا إلى الحماية الاجتماعية فقط، بل أيضا للعدالة الاجتماعية التي تقويها بما فيها أهم مرتكز يتمثل في الحقوق التي على المرأة اكتسابها”. أما الرافعتان الأساسيّتان الباقيتان، فهما: “الرافعة الثقافية، ولا يمكن الحديث عن الثقافة دون مسألة التعليم”؛ و”الرافعة الدينية لأهمية الدين في المجتمع، ونحن في حاجة إلى إعادة تهيئة هذا الشأن فيما يدفع الناس إلى اكتساب قيم جديدة مبنية على التسامح والمحبة”.
ثم أردف مؤلف كتاب “النهضة المعلقة” قائلا: “بدون ذلك، يصعب الحديث عن مجتمع ناهض أو صاعد”، قبل أن يعود في تعقيبه على أسئلة جمهور معرض الكتاب للتأكيد على “حيوية وأولوية المسألة السياسية؛ فمشكلتنا القائمة في المغرب، باعتراف كل مستويات القرار السياسي، هي الفارق الكبير جدا بين الخطاب والفعل، بين ما نجهر به ونخطب به وندعو إليه وبين ما نترجمه حقا إلى منجزات وحقائق لها تداعيات ونتائج على أكبر الفئات الممكنة في المجتمع”.
وواصل المفكر والأكاديمي المغربي موضّحا: “يضاف هذا إلى أننا في المغرب تعوّدنا على أشكال مختلفة من الهدر، نُهدر كل شيء؛ الزمن، والإمكانيات، والأفكار التي لا ننجزها فتبقى أفكارا متأخرة كما عشنا خلال العشرين سنة الماضية (تقرير الخمسينية، وفشل النموذج التنموي، الذي قاد إلى التفكير في النموذج الجديد…)”. كما شدّد على ضرورة “محاربة الفساد بكل أشكاله الذهني والأخلاقي”، والأخطر فيه هو “الفساد الأخلاقي والتطبيع معه واعتباره مسألة عادية وضرورية بل حيوية للمجتمع، وهو ما نحتاج وضع حد له، بأشكال مختلفة، للدخول في مسلسل نهضوي”.
وقدّر أفاية أن “المعادلة بين التقليدي وبين العصري مسألة عادية في كل المجتمعات، باستثناء المجتمعات البدائية البعيدة عن المجتمع الخارجي”، ثم استدرك قائلا: “للتقليد مزاياه بوصفه رأسمالا رمزيا، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه، وللتشبع بفكرة الحداثة مزاياه؛ وكلما تمكنا من صناعة نوع من التوازن اليقظ المعقول، كان أحسن، لكي لا نسقط في السكيزوفرينيا (انفصام الشخصية)”.
وفي مطلع مداخلته، قال المفكر المغربي إن “سؤال النهضة لا يمكن أن نقترب منه في ظرف وجيز؛ فهو موضوع مركزي في تاريخ الفكر المغربي (…) ليس هناك عنصر من عناصر النخبة في المغرب لم يتناوله، منذ أواسط القرن التاسع عشر مرورا بالأحداث الكبرى في مغرب القرن العشرين وما تلا ذلك من محطات وأحداث، بالمفهوم القوي للحدث، إلى اليوم”.
وزاد: “حتى تلك النخبة، التي كنا وكان الصف الثقافي في الستينيات والسبعينيات يصفها بالنخبة التقليدية، كانت مشغولة بمسألة الإصلاح والنهضة بالمغرب، انطلاقا من تحديين كبيرين؛ أحدهما من المشرق العربي وإصلاحات تركيا والمشرق، والتحدي الأكبر الذي مثلته الدول الأوروبية”؛ فـ”النهضة مسألة مركزية في الفكر المغربي، طيلة القرن العشرين بأكمله وإلى اليوم، وفي كل مرة يتخذ هذا المصطلح شحنة دلالية مختلفة، حسب الصراع الإيديولوجي في معترك النقاشات”، وهناك “تداخل دائم بين فكرة الإصلاح وفكرة النهضة”.
ثم استرسل شارحا: “منذ هزيمة إيسلي سنة 1848، تولّد شعور تراجيدي بالتأخر، والنهضة وعي بالتأخر وأن آخرَ أقوى منا، والتاريخ المعاصر بني على قوة المعرفة، وإرادة القوة (…) ثم بعد ذلك حرب تطوان في سنة 1860”.
وأضاف: “تعرضت المحاولات الإصلاحية إلى جدلية عجيبة في المغرب مستمرة إلى اليوم؛ بين تحرشات وضغوطات الخارج وكيمياء الداخل، بما يفيد عناصر القوة والضعف والتوازنات، في إطار الصراعات المختلفة للاستيلاء على السلطة (…) والحماية دخلت بعنوان الإصلاح إلى المغرب، وكانت حماية قانونية لا استعمارا مباشرا كما يدعي الفرنسيون، فقد برّرت الدخول إلى المغرب بإنجاز الإصلاحات التي لم يتمكن المخزن من إجرائها، وكانت بالمغرب، قبل ذلك، نخبة تدعو إلى الإصلاح والنهضة بمشاريع دساتير مقترحة على المخزن المغربي، للخروج من شرنقة الحصارات المتعددة، من المشرق والغرب”.
وعلى الرغم من أن “النخبة التقليدية دعت إلى الإصلاح في ما بعد”، فإن الهزائم قبل الاستعمار كان سببها “الجيش الذي لم يكن لنا، والذي عندما يكون ينبغي أن يتعلم”، وهي قضية “إصلاح الجيش والإدارة والتعليم؛ لتأهيل الإنسان الذي يمكنه أن ينهض لمواجهة التحديات الكبرى التي عاشها”، ثم “التوترات المرجعية، التي تحصل بين قوى تحمل قيما تقليدية وبين أخرى تريد التغيير بقيم جديدة معاصرة أو عصرية (…) وكانت تؤدي إلى الانحسارات وبعض أسباب الفشل”.
وذكّر أفاية بأن إعلان الاستقلال “كان فيه مطلبان كبيران؛ إجلاء الاستعمار والتحرر منه، وبناء الديمقراطية؛ فمطلب الديمقراطية كان دائما حاضرا لدى النخبة المغربية، وخاصة التي طالبت بالاستقلال، واستمر، وحدثت خلافات معروفة حول طبيعة السلطة ومشروعية من يمثل السلطة، إلى أن حصل ما حصل في سنة 1963، وخاصة 1965 وإعلان حالة الاستثناء، ثم مرحلة السبعينيات”، في إشارة إلى سنوات الرصاص.
وتوقّف الأكاديمي عند الاصطلاحات المستعملة آنذاك، قائلا: “في ذلك الوقت، استعمل على نطاق واسع مصطلح التقدم وليس النهضة، وكل الأحزاب والنقابات والجهات المطالبة بالتغيير نسبت نفسها إلى المعسكر التقدمي، وكانت تتحدث عن الإصلاح بالنسبة للأحزاب التقليدية المرتبطة بالدولة والسلطة (…) ولا شك في أن الجميع يلاحظ أن هذا المصطلح انسحب من التداول العام، منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، ولم يعد يتحدث عنه إلا ماركسيون قلائل. والغريب في الأمر هو أن لفظة التقدم بدأت، منذ خمس سنوات، تظهر في العديد من الكتابات السياسية والأنثروبولوجية والسوسيولوجية”.
كما لاحظ أفاية لبسا وتداخلا لا يُنتبه إليه دائما بين دلالات بين مجموعة مصطلحات: الإصلاح والنهضة والتحديث والتقدم والتنمية، وانضاف إليها مصطلح الصعود؛ وهو ما علق عليه بقوله: “هي مصطلحات في حاجة إلى تدقيق، حتى لا نخلط بينها؛ فلكل منها سياقه ومبرراته”.
المصدر: وكالات