أكدت أطروحة دكتوراه نوقشت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس ـ سايس أن هناك “تكاملا بين المقاربتين التنموية والأمنية في الوقاية من مظاهر الانحراف، كما تعزز نتائجها العلاقة التناسبية بين العوامل الاجتماعية والعمرانية والمجالية الهشة من جهة وتنامي الأنشطة غير المهيكلة والسلوكيات اللاحضارية والشوائب الأمنية والجريمة من جهة”.
الأطروحة أعدها الطالب الباحث محمد الصغيور بعنوان “الأمن والجريمة والتنمية المحلية بمدينة تازة” وجرت مناقشتها أمس الجمعة برحاب الكلية سالفة الذكر أمام لجنة علمية مكونة من الأستاذ حسن الكتمور رئيسا والأستاذ عبد الواحد بوبرية مشرفا، وعضوية كل من الأساتذة محمد أبهرور وعبد السلام بوهلال وعبد الكريم المحمدي، وقد نال على إثرها الطالب ميزة مشرف جدا.
تقع الأطروحة في 285 صفحة، موزعة على ثلاثة أقسام. وقد وثق الطالب الباحث عمله بملحقات تشمل استمارة ميدانية، موجهة إلى أرباب وربات أسر ساكنة الجماعات الترابية لإقليم تازة، ووثائق تخص مختلف المعطيات السكانية والبشرية لمواضيع مختلفة تهم تلك الجماعات.
يعتبر موضوع الأطروحة حساسا؛ لأنه يشغل بال العديد من الفاعلين، سواء على المستويات المحلية والوطنية والدولية، على اعتبار أن “الأمن والجريمة والتنمية” من المواضيع التي تثير قضايا متعددة مجالية سياسية واجتماعية واقتصادية.
وقد اختار صاحب الأطروحة، التي تدخل ضمن حقل الجغرافية الاجتماعية، أن يعالج فيها موضوع الأمن والجريمة والتنمية في مدينة يبلغ سكانها 200.000 نسمة وتعد من المدن الهامشية وتحتضن أحياء تشكل حزاما لمدارها الحضري ومرتعا لكل أشكال الجريمة.
وقام الطالب الباحث بتشخيص دقيق لأشكال الجريمة وتوزيعها المجالي حسب الملحقات الإدارية الستة المكونة للمدار الحضري لتازة بهدف فهم جذور الواقع الراهن للجريمة، وأسبابها المتعددة والتي خلص إلى أنها مرتبطة بالفقر والأمية وضعف المشاريع التنموية وبالتالي محدودية مساهمتها في الحد من الجرائم المنتشرة في الأحياء الهشة والهامشية للمدينة.
وأشار صاحب الأطروحة إلى أن “تشكل المجال الحضري لتازة هو نتاج لتدخلات مجموعة من المخططات والسياسات الحضرية المتعاقبة منذ فترة ما قبل الاستعمار مرورا بالمرحلة الاستعمارية وإلى اليوم”، خالصا إلى أن “سيرورة الدينامية المتسارعة التي شهدتها المدينة أدت إلى تحولات واختلالات عميقة أخذت أبعادها على مستويات متعددة؛ اقتصادية، اجتماعية، عمرانية، أمنية ساهمت في تعميق أزمة المدينة وإبراز تباينات واضحة بين مركزها وهامشها”.
وجاء ضمن الخلاصات أن تدخلات واستراتيجيات التخطيط التي عرفتها تازة عبر مختلف مراحلها اعترتها مجموعة من المعوقات ومواطن الضعف، واستعصى على الفاعلين في تدبير الشأن الترابي إيجاد العلاج الهيكلي لمعضلة الاختلالات التي تشهدها المدينة من منظور التدبير المعقلن للمسألة الحضرية، سواء في الشق المرتبط بتأهيل الأحياء السكنية الناقصة التجهيز أو فيما يتعلق بتأهيل وإدماج العنصر البشري.
وأكدت الأطروحة أن “الاهتمام بالإنسان هو الوسيلة والغاية لأي تطور والرافعة الحقيقية للتنمية المستدامة. ولذلك، فإن استبعاده من عملية المشاركة والإنتاج داخل المجال وجعل استفادته من الحقوق الأساسية ضعيفة وصعبة على مستوى السكن والشغل والصحة والتعليم يمسان بالتوازن المجتمعي، لاسيما داخل التجمعات العمرانية حيث الأحياء السكنية ذات الكثافة السكانية المرتفعة كما هو الشأن بالنسبة لبعض أحياء مدينة تازة؛ مثل السعادة والكعدة والربايز والمدينة العتيقة، بما يُغذي خلق السلوكيات الفاسدة والمتنافية مع القيم الإنسانية والأفعال الخارجة عن القانون”.
الأطروحة وقفت أيضا على “تواتر فشل عمليات التنزيل الفعال للمشاريع المبرمجة طيلة المراحل السابقة، رغم السياسات الترابية المستجدة والشعارات التنموية العريضة، بسبب عدم اضطلاع المؤسسات المركزية بمهام المراقبة والتتبع والتلكؤ في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بالمصالح الترابية وسوء مواكبتها الميدانية لمختلف العمليات التنموية المنوطة بالمؤسسات المعنية اللاممركزة”.
الطالب الباحث شدد على أن “صعوبة بلورة واعتماد حكامة ترابية جيدة موازاة مع نظيرتها الأمنية يُضعف ترسيخ أسس التنمية البشرية في مفهومها الشامل التي تشكل الإطار الأمثل لتنفيذ السياسات الاجتماعية والاقتصادية المنشودة، بما يضمن تحقيق التقدم والرفاهية لجميع أفراد المجتمع ويعزز الشعور بالأمن لديهم وإحقاق تنمية محلية تشاركية مندمجة ومستدامة”.
من بين الخلاصات نقرأ أيضا في الأطروحة “محدودية التدخلات على مستوى تدبير الأمن والجريمة؛ وهو ما يفرض تضافر الجهود، مُدعمة بإرادة سياسية وتعبئة جميع الفاعلين في مجال التنمية الاجتماعية، مع ضرورة تسخير الإمكانيات المادية الكافية لتحويل مختلف العمليات إلى مشاريع قابلة للتنفيذ”.
المصدر: وكالات