ناقش الطالب الباحث عبد العزيز تكني أطروحة لنيل الدكتوراه في علوم التربية حملت عنوان “الخطاب القيمي في المناهج الدراسية وأثرُهُ على المتعلمين بالمدرسة المغربية”، وهي المناقشة التي احتضنتها رحاب كلية علوم التربية بجامعة محمد الخامس بالرباط، تحت إشراف الأستاذة الدكتورة ماجدولين النهيبي، فيما تكونت لجنة المناقشة من الأساتذة عبد الله بن عتو، سعيد حليم، ولحسن مادي.
وتطرقت الأطروحة إلى مصطلح الخطاب القيمي في المناهج الدراسية بالمدرسة المغربية، الذي يثير العديد من الإشكالات على مستوى التشكيل والإدراك والتوظيف، وذلك بالنظر إلى واقع القيم الأخلاقية، وسبل مقاربتها، وتدريسها وبنائها وترسيخها، وكذا تقويمها لدى المتعلم في الوسط المدرسي، وجدانيا، ومعرفيا، وسلوكيا.
ويعد الخطاب القيمي وسيلة أساسية في هندسة المناهج الدراسية وتجويد البرامج البيداغوجية، وبناء شخصية متفاعلة مع محيطها المجتمعي، وفاعلة تأثيرا وتأثرا أخذا وعطاء، عبر رؤية تربوية إستراتيجية، فعالة ومجددة، قوامها التكامل المعرفي، ومنطلق أساسها حرية مسؤولة وتدبير تشاركي، واستخلاص القيم الأخلاقية في بعديها المحلي والكوني الإنساني، بالدراسة والتحليل والتركيب، دون انسلاخ عن الخصوصية الضامنة للوحدة والهوية.
وخلال المناقشة أكد الطالب الباحث أن مقاربة الخطاب القيمي في المناهج الدراسية، ودراسة واقعه وتحليله، ورصد أثره الأخلاقي في سلوك المتعلم بالمدرسة المغربية، في ظل الانفتاح العالمي والتحديات المعاصرة، له راهنيته وجدته، خصوصا أن فرص التنقل ارتفعت فيه واقعيا وافتراضيا، وأصبحت فيه المعارف والمعلومات والثقافات مجالات للتنافس في السوق العالمية، وصار الخطاب القيمي يؤدي فيه “دورا أساسيا في نشوء التواصل والتفاهم العالميين، ويسهم في احترام أفكار الآخر وثقافته”، لافتا إلى أن “تنشئة مواطنين واعين بثقافة الحق والواجب، معتزين بهويتهم، وبلغتهم، ومنفتحين على المشترك القيمي الإنساني، صارت رهانا وتحديا تواجهه اليوم ومستقبلا المدرسة المغربية عموما، والمناهج الدراسية والبرامج التعليمية بالتعليم الثانوي التأهيلي على وجه الخصوص؛ هذا إلى جانب تفعيل وظائف مؤسسة الأسرة والإعلام وهيئات ومؤسسات المجتمع المدني وتجديدها”.
وشدد الأستاذ الزائر بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط على أن “المدرسة المواطنة أبرز المؤسسات المسهمة في ترسيخ السلوك المدني والقيم في وجدان المتعلمين وسلوكاتهم الأخلاقية، فيما تجديد وظائفها، وتجويد مناهجها وبرامجها التعليمية، صار مطلوبا في الوقت الراهن، بحيث أصبحت المدرسة المغربية ملزمة بالانخراط والتفاعل مع مقومات الهوية الخصوصية، والانفتاح بالمقابل على الحضارة الإنسانية المعاصرة”، منبها إلى أن “المدرسة في حال لم تنجح بخطابها القيمي الأخلاقي وبمناهجها وبرامجها الدراسية في بلوغ تلك الغايات فإن المجتمع سيفقد، بعد الأسرة، خط الدفاع الثاني ضد كل أشكال التطرف والعنف والكراهية والاغتراب والغزو الفكري، والصراع الحضاري الهوياتي”.
وسجل الطالب الباحث ذاته أن “المدرسة المغربية ملزمة بالانخراط الحقيقي في ترسيخ القيم الأخلاقية المتمركزة حول حفظ العقيدة واللغة والمشترك الإنساني والتكامل المعرفي لدى الناشئة، مع استحضار واع ومسؤول لتعدد وتنوع روافد الهوية الحضارية المغربية وثراء ثقافتها، وإذكاء الشعور بالانتماء للأمة، وتكريس الانفتاح على القيم الإنسانية العالمية والتفاعل معها بشكل إيجابي”.
وقسم الباحث في علوم التربية الدراسة إلى أربعة فصول، بحيث خصص الفصل الأول لإثارة العديد من الإشكالات المعرفية الكبرى والتساؤلات المنهجية المرتبطة بقضايا الخطاب القيميِ في المناهج الدراسية بالمدرسة المغربية، محاولا الإجابة عن بعضها من خلال تبني مقاربات نظرية من شأنها أن تغني النقاش العلمي الجاد في ما خصص الفصل الثاني لبيان مدى أهمية الخطاب القيمي الأخلاقي في المناهج الدراسية، والتحديات والرهانات التي تواجهه على مستوى المدرسة والمجتمع.
وبالنسبة للفصل الثالث فقد عمل الباحث على قراءة تفسيرية لمضمون الوثائق المرجعية الرسمية التي تؤطر المنهاج الدراسي المغربي، واستقرائها على مستوى المنطلقات، والمبادئ، والأهداف، والغايات، مبرزا التصورات المنهاجية والأسس البيداغوجية التي يتأسس عليها الخطاب القيمي الأخلاقي، مع الإشارة إلى بعض إشكالاته على مستوى الممارسة الديداكتيكية.
وشمل الفصل الرابع الجانب التطبيقي للبحث، بحيث بسط العدة المنهجية المرتبطة بالدراسة الميدانية، باعتماد الوصف والبناء الدقيق لإشكاليته، وأسئلته ومفاهيمه الإجرائية، والتذكير بفرضياته، ووصف عيناته وأدواته البحثية، مستثمرا في ذلك مكاسب وتوجيهات الفصول الثلاثة الأولى الخاصة بالإطار النظري.
وخلصت الدراسة في نهايتنها للنتائج الخاصة بفرضيات البحث، مع عرض نتائج التحليل الكمي والكيفي للبيانات الخاصة بها، مستعرضة مقترحات مرتبطة بمحاور البحث الرئيسة، على ضوء النتائج العامة للدراسة النظرية والعمل الميداني، من أجل بناء منظومة تربوية قيمية أخلاقية رائدة، متكاملة معرفيا وسلوكا.
المصدر: وكالات