بناء على العلاقات التاريخية والثقافية والاقتصادية، إضافة إلى البيعة والظهائر والمراسلات بين سلاطين المغرب وأهل الصحراء، إضافة إلى عدم وجود أي منازع بالصحراء المغربية قبل الحماية وإبانها، فإن الصحراء جزء لا يتجزأ من التراب الوطني المغربي.
كانت هذه أبرز الخلاصات التي خرج بها الطالب الباحث عبد الله اللويز في أطروحته لنيل شهادة دكتوراه في التاريخ تحت عنوان “نزاع الصحراء المغربية بين الجذور التاريخية والصراعات السياسية (1960-2020 م)، التي ناقشها الثلاثاء الماضي برحاب كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل القنيطرة؛ وهي الأطروحة التي حاول صاحبها الإجابة من خلالها عن الإشكالية المركزية التالية: هل يرجع تأخير تسوية نزاع الصحراء المغربية، الذي عمّر طويلا، إلى تضارب المصالح الدولية وإكراه العلاقات الإقليمية؟
ولفت الباحث إلى أن النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية يعد نموذجا للنزاعات التي تفاعلت ضمنها مجموعة من الأحداث والذي ظهر منذ بداية مطالبة المملكة المغربية باسترجاع أقاليمها الجنوبية من الاستعمار الأجنبي، لتتفق بعدها كل من الجزائر وإسبانيا وليبيا على “خلق جبهة البوليساريو لبلقنة مشروعية المغرب التاريخية والقانونية على نفوذ صحرائه”.
في هذا الصدد، أشار الطالب الباحث عينه إلى أن المراحل التي أعقبت استرجاع المملكة لما بقي من أراضيها من يد الاحتلال الإسباني، خاصة بعد تنظيم المسيرة الخضراء في سنة 1975، عرفت تطورات كبيرة بين كل من المغرب والجزائر، الراعية الرسمية لجبهة البوليساريو والداعمة لها سياسيا وعسكريا؛ مما دفع الرباط إلى طرق أبواب المحكمة الدولية ومنظمة الوحدة الإفريقية حينها، وهيئة الأمم المتحدة لتفنيد الطرح الجزائري الذي يدعي وجود “شعب صحراوي”، وهو الطرح الذي اعتبره اللويز “محاولة لتأخير مطالبة المغرب بترسيم حدوده مع الجزائر”.
وعلى هذا النحو، لم تلق المطالب المغربية بشأن هذا النزاع المفتعل آذانا صاغية من طرف منظمة الوحدة الإفريقية التي اتهمتها الرباط بخرق بنود نظامها الأساسي وتماهيها مع الطرح الجزائري؛ مما جعلها تتوجه إلى المحكمة الدولية التي أقرت، في رأيها الاستشاري بعد الاطلاع على مجموعة من الوثائق التاريخية المدلى بها من طرف المغرب، بوجود روابط قانونية وبيعة بين سلاطين هذا الأخير والقبائل الصحراوية الجنوبية.
كما استند الطالب الباحث، في مقاربته لهذا الموضوع، على مجموعة من الكتابات المغربية في هذا الصدد، سواء تلك التي اعتمد فيها كتابها مقاربة أكاديمية محضة، أو تلك التي اتخذت طابعا رسميا بالنسبة للجهات الفاعلة في المشهد السياسي المغربي، إضافة إلى مذكرات استنطقت الذاكرة للإجابة عن أسئلة اليوم انطلاقا من أحداث الأمس.
وفي إطار تفككيه لعناصر الإشكالية التي انطلق منها، تطرق الطالب الباحث في الباب الأول لأطروحته إلى المجال والإنسان والتطور التاريخي لنزاع الصحراء المغربية إلى حدود تنظيم المسيرة الخضراء، الذي تناول فيه بالتفصيل وضع الأقاليم الجنوبية ما قبل وزمن الحماية، ونشأة “البوليساريو” إضافة قرار محكمة العدل الدولية بشأن هذا النزاع إضافة إلى مواقف بعض الأحزاب الوطنية بشأن هذا النزاع المفتعل.
أما الباب الثاني فقد خصصه للمواجهات العسكرية وتدبير نزاع الصحراء المغربية بمنظمتي الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة، حيث تطرق فيه إلى المواجهات المسلحة بين المغرب وانفصاليي تندوف، وما خلفته من خسائر، إضافة إلى دور الحزام الأمني الذي شيده المغرب في تحصين حدوده، كما تناول فيه مخرجات القمم التي عقدتها لجنة الحكماء التي أسست لدراسة معطيات النزاع، إضافة إلى وقوفه عند “مخطط الاستفتاء” بالصحراء المغربية وموقف الأطراف من مضامين التسوية الأممية وعرقلة الجزائر لهذه التسوية.
وفي الباب الثالث والأخير، عالج الطالب الباحث الحلول الجديدة المقترحة لتسوية هذا النزاع المفتعل بعد إخفاق “مخطط الاستفتاء”، كما تناول فيه مرتكزات مخطط الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب باعتباره الحل الأكثر واقعية، من خلال مواقف المنتظم الدولي تجاه هذا الحل المغربي، كما تطرق إلى عودة التوتر في الأقاليم الجنوبية إثر خرق ميليشيات البوليساريو لاتفاق وقف إطلاق النار وأزمة الكركرات التي فرضت على المغرب تحصين المنطقة بحزامين أمنيين جديدين، دون أن يفوته أن يتعرض إلى التحولات التي عرفتها الأقاليم الجنوبية للمملكة وكذلك تأثير النزاع على تفعيل اتحاد المغرب العربي وآفاقه المستقبلية.
يذكر أن لجنة مناقشة هذه الأطروحة الجامعية ضمت كلا من الدكتور محمد الغرايب رئيسا، والدكتور محمد مزيان مشرفا، إضافة إلى كل من الدكاترة عبد الفتاح بلعمشي ومراد التعربتي وعبد الإله الدحاني كمقررين.
المصدر: وكالات