نبّه بحث لنيل شهادة الدكتوراه إلى أن “أفعال الاستيلاء غير المشروع على عقارات الغير، سواء المتعلقة بالمغاربة المقيمين بأرض الوطن والمقيمين خارجه أو المتعلقة بالأجانب (…) قد ساهمت في الحد من تكريس الأمن العقاري المنشود”، بل و”أساءت إلى نظام الملكية العقارية بالمغرب”؛ مما ترتب عنه “أضرار اقتصادية واجتماعية”.
وخلص المهدي البوعزيزي، في أطروحته التي ناقشها بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بجامعة محمد الخامس بالرباط والتي حصلت على ميزة “مشرف جدا”، إلى أن “استفحال الاستيلاء على عقارات الغير” ليس وليد اليوم، بل هو “نتاج مخلفات تدبير السياسات العمومية في قطاع العقار منذ فترة الحماية” التي “ساهمت في استفحال أفعال السطو والاستيلاء على العقارات، بما فيها التابعة لأملاك الدولة العامة والخاصة”؛ وهي أفعال “استمرت إلى ما بعد الاستقلال، خصوصا في العقارات غير المعمرة التي تركها المعمرون”، قبل أن “تستفحل أكثر في العقود الأخيرة، حيث عرف الاستيلاء والتعدي على الملكية العقارية صورا وتجليات عديدة”.
وسجلت الدراسة أن “أفعال الاستيلاء لم تبق حكرا على الأفراد فقط، بل حتى الإدارات أصبحت تقوم ببعض التصرفات التي تمس بالأمن العقاري، والتي من ضمنها الاستيلاء على الملكية العقارية الخاصة”؛ مما يشكل “خروجا صارخا عن القانون والمشروعية بدون موجب شرعي، حيث أصبحت هذه التصرفات تتعارض مع التوجهات الكبرى للدولة في الوقت الحاضر”.
كما لم تبق “جرائم الاستيلاء على عقارات الغير مجرد اعتداء على ملكية الأفراد، بل وصل الأمر إلى أملاك الدولة”، وفق ما تبينه الأطروحة، التي خلصت إلى أن في ذلك “مساسا بسلطة الدولة وكيانها ونيلا من سلطتها”، تشكل معه “مافيا العقار” “خطرا ليس على الأفراد لوحدهم، بل حتى على سلطة الدولة وهيبتها؛ وهو ما يمس بالمصلحة العامة، على اعتبار أن عقارات الدولة هي عقارات عامة للمواطنين تخدم مصالحهم وتوفر حاجياتهم”.
وبيّن البحث الثغرات القانونية التي تُستغل للاستيلاء على عقارات الغير، ونوعية المجهودات التشريعية والتنظيمية المطلوبة للحد من ذلك، والحاجة إلى “إرساء اجتهادات قضائية قارة وموحدة”، من أجل تحقيق هذا المقصد.
وعلى الرغم من استفحال الظاهرة، فإن الأطروحة أوضحت انطلاقا من مجموعة من النماذج المغربية أن “الاستيلاء على عقارات الغير من المواضيع التي لم تأخذ حقها الكافي، سواء من طرف الفقه أو المشرع”؛ مما “يعيق تطلعات العقار في التنمية والاستثمار”، ويؤثر على “مبدأ استقرار المعاملات العقارية التي أصبحت في السنوات الأخيرة تتأثر وتتراجع”، بفعل فقدان “الثقة والطمأنينة في المعاملات العقارية”، مما أثر بدوره “بشكل كبير في عدم تحقيق الأمن العقاري المنشود”.
وأوصت الأطروحة المناقشة بـ”تحيين الترسانة القانونية المنظمة للعقار، لتتوافق مع التطورات والمستجدات التشريعية والاجتماعية والاقتصادية”؛ من خلال “تشخيص الواقع العملي للأوضاع العقارية قبل أي تعديل أو إصدار لنص تشريعي بشكل يضمن مسايرة هذه النصوص للتطورات التي يعرفها الأمن العقاري والقانوني”.
كما أوصت بـ”تعميم التحفيظ العقاري والتشجيع عليه، من خلال تبسيط المساطر والإجراءات والإعفاء من الرسوم، خصوصا في المناطق القروية، لتوفير أرضية تحقق الاطمئنان والاستقرار الضروريين لتحقيق الأمن العقاري”.
ونادت الأطروحة بـ”الاعتماد على وسائل قطعية لإثبات سوء نية الغير، على اعتبار أن علاقة القرابة أو الزوجية أو التقييد الاحتياطي مجرد قرائن قد لا تثبت في حالات كثيرة سوء النية”، مع ترك التقدير في جميع الأحوال للقاضي “حسب ظروف، ووقائع كل نازلة”.
ومن بين التعديلات التي تقترحها الأطروحة تعديل “بعض مقتضيات قانون التحفيظ العقاري”، أولها “الفصل 62، الذي ينص على أن الرسم العقاري نهائي ولا يقبل الطعن؛ انسجاما مع مقتضيات الدستور الذي جعل جميع القرارات الإدارية أيا كان مصدرها قابلة للمراقبة القضائية، خاصة وبعضُ العقود تُنشأ وتؤسس وهي مشوبة بالتزوير”.
كما أوصت الأطروحة بـ”تعديل الفصل 101 من قانون التحفيظ العقاري” بـ”جعل الجهة المؤهلة قانونا لمنح نظير جديد للرسم العقاري في حالة ضياع أو سرقة أو إتلاف، من اختصاص القاضي العادي، وليس المحافظ على الأملاك العقارية، نظرا لخطورة هذه الوثيقة وما ينجم عنها من ضياع لحقوق المالكين الحقيقيين”.
ومن بين التوصيات: “إعطاء الاختصاص لمديرية أملاك الدولة لحماية عقارات الأجانب الغائبين بقرينة ملكيتها لها؛ لأنها أصبحت ملكا بدون مالك إلى أن يثبت العكس”، نظرا لأن مديرية أملاك الدولة قد صارت “مغلولة في مواجهة أي اعتداء على عقار في ملك أجنبي غائب، بسبب انعدام الصفة وغياب أي نص قانوني يخولها مباشرة هذا الاختصاص”.
كما نصت الأطروحة على الحاجة إلى “تجريم الاعتداء المادي” بناء على مقتضيات القانون الجنائي “للحد من استمرار تعدي واستيلاء الإدارة، وخاصة الجماعات الترابية، على الأملاك العقارية الخاصة بالأفراد، دون التقيد بإجراءات ومسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، والتنصيص على المسؤولية للممثل القانوني للإدارات في حالة ثبوت الاعتداء المادي على العقارات المملوكة للغير”.
ومن بين ما أوصت به الأطروحة “إعادة النظر في رسم استمرار الملك، لأن مافيا الاستيلاء تستغله من خلال إقامة ما يسمى برسم تصحيح الحدود أو مطابقة الحدود من خلال الاستعانة بخبرة أو شهادة الشهود؛ وهو ما يجعل عملية الاستيلاء تنصب على إضافة مساحة شاسعة إلى العقار الأصلي دونما وجه حق، ما يؤدي إلى الاستيلاء على عقارات المُلاك المجاورين”.
كما نادت الأطروحة بـ”تفعيل الإجراءات والتدابير التي اتخذها المشرع بعد الرسالة الملكية للتصدي لأفعال الاستيلاء على عقارات الغير، لتشمل جميع المنازعات العقارية بما فيها أفعال الإدارة المتعلقة بغصب الملكية العقارية”؛ لأن “عقارات الأجانب وعقارات المغاربة المقيمين بالخارج ليست هي المعنية فقط بضمان أمنها العقاري، فدلالة الرسالة الملكية جاءت أشمل، واختصار أفعال الاستيلاء في المنازعات والقضايا العقارية الرائجة أمام المحاكم لا يعكس العدد الحقيقي لتلك المنازعات، بل الأمر أكبر من ذلك، لأنه يضم في أفعاله عمليات الاستيلاء التي تقوم بها الإدارات العمومية”.
المصدر: وكالات