تعيش العديد من قرى وأقاليم جهة طنجة تطوان الحسيمة على إيقاع أزمة كبيرة في إيجاد اليد العاملة الكافية لجني الزيتون، الذي حقق برسم هذه السنة مردودية عالية ساهمت في الضغط على الفلاحين، خصوصا مع تفضيل غالبيتهم تأخير العملية إلى غاية نزول الأمطار التي زادت كمياتها المهمة في تعقيد العملية.
ويعاني القطاع الفلاحي في السنوات الأخيرة من تراجع كبير في اليد العاملة، التي استقطبتها كبريات الشركات المختصة في إنتاج الفواكه الحمراء بإقليمي العرائش والقنيطرة، حيث يفضل العمال الاشتغال بشكل قانوني ودائم بدلا من الاعتماد على العمل الموسمي.
وتعرف أجور العمال في جني الزيتون ارتفاعا كبيرا بلغ أزيد من الضعف، إذ يكلف العامل الواحد الفلاح ما بين 300 و350 درهما لليوم الواحد، وذلك حسب الطبيعة الجغرافية للحقول، فيما تصل الأجور إلى حوالي 250 درهما في الأراضي المنبسطة.
وفي هذا السياق أكد صديق ستيتو، رئيس مجموعة ذات النفع الاقتصادي بإقليم وزان، والفاعل المهني بجهة طنجة–تطوان–الحسيمة، أن “القطاع يواجه أزمة حقيقية ومتفاقمة في اليد العاملة، خاصة خلال موسم جني الزيتون”، موضحا أن “هذا المشكل لم يعد ظرفيا، بل أصبح عاما ويؤثر بشكل مباشر على وتيرة الجني وجودة المنتج”.
وأفاد ستيتو، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن “الخصاص الكبير في اليد العاملة دفع عددا من الفلاحين إلى رفع أجور العمال بشكل غير مسبوق، إذ يتراوح الأجر اليومي حاليا بين 250 و300 درهم، وقد يصل في بعض المناطق إلى 350 درهما”، معتبرا أن هذا الأمر يشكل “عبئا ماليا ثقيلا على الفلاحين، خاصة الصغار منهم”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “العامل الواحد لا يستطيع في المتوسط جني أكثر من 120 كيلوغراما يوميا، نظرا لصعوبة التضاريس وعلو أشجار الزيتون، وهو ما يجعل عملية الجني مرهقة وخطيرة في بعض الأحيان”، وأضاف: “كلفة الجني أصبحت تلتهم جزءا كبيرا من مداخيل الفلاح، إذ تصل أحيانا إلى نصف ثمن المنتج، في وقت تراجع سعر الكيلوغرام من الزيتون إلى حوالي 3.5 دراهم”، مؤكدا أن هذا الوضع يدفع بعض الفلاحين إلى تأخير عملية الجني أو القبول بجني المحصول في ظروف غير ملائمة حفاظا على المنتج من الضياع، ولو كان ذلك على حساب الجودة.
وحذر المهني ذاته من أن “التأخر في الجني يؤدي إلى تساقط الزيتون وامتزاجه بالتراب، ما ينعكس سلبا على جودة الزيت وقيمته التسويقية”، وشدد على أن المكننة تمثل أحد الحلول الممكنة للتخفيف من حدة الأزمة، لافتا إلى أن “اعتمادها يظل محدودا بسبب عدم تهيئة الأشجار وفق المعايير التقنية المطلوبة، مثل التقليم المناسب الذي يسمح باستعمال معدات الجني الآلي”، ودعا إلى تعزيز التأطير الفلاحي ودعم الفلاحين لتمكينهم من ولوج تقنيات المكننة الحديثة.
كما أشار ستيتو إلى أن تفاوت الجودة في الزيت المعروض بالسوق يطرح إشكالات إضافية، مبرزا أن “الزيوت التي تُسوق بأثمان منخفضة تبقى ضعيفة الجودة، وهو الأمر الذي يضر بسمعة المنتج ويخلق منافسة غير متكافئة”، وطالب بتشديد المراقبة الصحية والتحسيس بأهمية الجودة.
وخلص المتحدث إلى أن معالجة أزمة اليد العاملة في قطاع الزيتون تتطلب “مقاربة شمولية تشمل تحسين ظروف العمل، وتشجيع المكننة وتأطير الفلاحين، بالإضافة إلى حماية جودة المنتج حفاظا على استدامة هذا القطاع الحيوي”.
من جهته أكد البشير الغوالي، وهو فلاح من إحدى قرى إقليم العرائش، أنه غير قادر على تحمل مصاريف العمال لجمع محصول الزيتون الذي يملكه، مبرزا أنه يعمل رفقة زوجته على جني المحصول بشكل تدريجي رغم الخسائر التي سيتحملها بسبب تأخر العملية.
وسجل الغوالي، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن أجور العمال في هذا العام بلغت “أرقاما قياسية لم نعهدها من قبل”، معتبرا أن الفلاح “لن يحقق هذا العام أي أرباح إذا اعتمد على العمال في جمع المحصول”.
وأشار المتحدث إلى أن العامل “يمكن أن يجني حوالي 130 كيلوغراما في اليوم، ومع تراجع سعر الزيتون في السوق الذي بات يقل عن 5 دراهم فإن الأمر يكلف حوالي 30 إلى 40 بالمائة، من دون احتساب الكميات التي ستكون غير صالحة”.
وشدد الفلاح ذاته على ضرورة عمل الوزارة على مواكبة الفلاحين الصغار وتأطيرهم ودعمهم من أجل الحفاظ على زراعة أشجار الزيتون وتثمينها، وتشجيع الفلاحين على الإقبال عليها، من خلال اعتماد المكننة والطرق الحديثة في الجني والزراعة.
المصدر: وكالات
