بعد أن خيّم الجفاف على المملكة للسنة السادسة على التوالي، وصارت المؤشرات تزداد إثارة للخوف بخصوص ندرة الموارد المائية، عادت الأسئلة تطفو على السطح بخصوص “عدم شروع المجلس الأعلى للماء والمناخ في القيام بمهامه”، رغم خروجه إلى حيز الوجود ومصادقة الحكومة على المرسوم المتعلق به منذ سنة 2019.
ومنذ المصادقة على المرسوم رقم 2.18.233 المتعلق بالمجلس سالف الذكر، تطبيقاً لمقتضى المادة 79 من القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء، فإن الفعاليات المتابعة للموضوع ظلّت تطالب بـ”الحقيقة، والكشف عن الأسباب الفعلية التي عثّرت أن يقوم هذا المجلس بأدواره”، وتتساءل “لماذا خفت الحديث عنه بالرغم من أن المرسوم حدد تركيبته ولجنته الدائمة وكيفية اشتغالهما؟”.
الحقيقة أفقاً
رشيد فاسح، باحث في المناخ والتنمية المستدامة، قال إن “الحالة التي وصلنا إليها بخصوص شح المياه، تجعل الحاجة إلى إخراج مجلس الماء والمناخ ليس فقط مسألة أساسية، بل حاسمة في ظلّ الندرة”، مؤكدا أن “الدور الاقتراحي لهذه الهيئة وتوجيهاتها في ما يتصل بالسياسة المائية عموما، يجعل نجاعتها لا غبار عليها، وكذلك قدرتها على تجويد العرض المائي ومقاومة الإجهاد”.
وأوضح فاسح، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “الوضع يستدعي جدية أكبر في التعامل مع الأزمة المائية، وذلك من خلال إسراع الحكومة بإخراج المجلس وتفعيل اختصاصاته ووظائفه المنصوص عليها في القانون 15-36 المتعلق بالماء”، لافتاً إلى “أهمية أن تخرج الحكومة عن صمتها بخصوص تأخر إخراج المجلس ووضع المعطيات الحقيقية في يد المواطنين، لكون الفاعلين في الماء لا ينكرون أهمية هذه المؤسسة”.
وتابع الباحث في الماء قائلاً: “كان يفترضُ أن يشرف هذا المجلس على تدبير السياسة العامة للموارد المائية، لكنه اختفى فجأة وخفت الحديث عنه وغاب عن المساءلة السياسية، لاسيما ونحن في وضعية تنبّه فيها جهات علمية ومؤسساتية ورسميّة إلى مدى خطورة المرحلة مائيّا”، وأشار إلى “دخول الملك على الخط وتبيانه أن المسألة صارت بالفعل حساسة تستدعي قول الحقيقة”.
وسجل فاسح “دور غياب هذه المؤسسة في التقليل من توهج أدوارها الاستشرافية والطلائعية، في الوقت الذي كان بإمكانها توفير معطيات دقيقة حول مستقبل الموارد المائية بناء على دراسات وأبحاث ميدانية ونظرية بحكم التنسيق مع مختلف الفاعلين”، خاتماً بأن “هذا الغياب مازال غير مفهوم، وإذا كان المجلس لم تعد له الصلاحيات الكافية أو تبين أن دوره محدود، فيتعين قول ذلك”.
“لوبيات متحكمة”
مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية للتنمية والمناخ، قال إن “المجلس كان يمكنه أن يحلّ جملة من الإشكالات من خلال خلق مجالس لتدبير الموارد المائية على مستوى الجهات، ويضم مجموعة من الفاعلين”، موضحا أن “هذه السياسة من شأنها أن توفر بيانات عن الكميات ونوعية الموارد المائية الموجودة في كل جهة، ومن ثمة بلورة خطة وطنية مندمجة”.
وأشار بنرامل، في تصريح لهسبريس، إلى الانعكاس الإيجابي لهذه السياسة على العرض المائي الوطني، وهو الدور الذي كان يفترض أن يضطلع به المجلس”، منبها إلى أن “الجفاف لا يرحم، خصوصاً في ظل ارتفاع منسوب استهلاك المياه على مستوى مجموعة من المناطق ومعاناة أخرى من العطش”، وقال: “لم يعد إخراج المجلس ترفا أو شيئا اختياريا، بل إن منطق الأشياء والواقع يثبت أن المغرب يحتاجه”.
وعزا المتحدث التأخر في إخراج المجلس الأعلى للماء إلى “ضلوع لوبيات متحكمة في عدم إخراجه لكونها استفادت من الوضعية، خصوصا في القطاع الفلاحي، مع أن دورها ليس هو الوحيد، بل هناك مجموعة من القطاعات المتدخّلة في الشأن المائي”، لافتا إلى “وزارة التجهيز والماء ووزارة الفلاحة ووزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، وهو ما يصعب إيجاد حل، والمجلس من شأنه أن يعالج الإشكال”.
واستحضر بنرامل وجود “بيروقراطية متحكمة، لكون الفاعل السياسي لم يستوعب أن الجفاف صار هيكليا وسيدوم معنا. ورغم أن الحكومة صادقت على المرسوم المتعلق بالمجلس، إلا أنه ما يزال في الرفوف رغم أهميته”، داعيا إلى معالجة هذا الخلل “حتى يكون لدينا مخاطب واحد في قطاع الماء يستطيع أن ينسق مع جميع القطاعات ويضمن نوعاً من الالتقائية”.
المصدر: وكالات