احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس-سايس مناقشة أطروحة دكتوراه حضرها الباحث رضوان العمري تحت إشراف الأستاذ بنعيسى بويوزان، بعنوان: “المشترك الثقافي بين بين المغرب وأمريكا اللاتينية: صورة المغرب في أدب أمريكا اللاتينية”.
انطلق الباحث من إشكالية رئيسية ألا وهي: ما هي أبرز مظاهر المشترك الثقافي بين المغرب وأمريكا اللاتينية؟ وكيف يحضر المغرب والمغربي في الأدب الأمريكي اللاتيني؟ وبين أن دراسته تستهدف تسليط الضوء على أبرز المظاهر الثقافية المشتركة بين المغرب وأمريكا اللاتينية، واستقراء مختلف الصور التي نقلها كتاب هذه الأخيرة عن المغرب والمغاربة في بعض مؤلفاتهم، خصوصا تلك التي تندرج ضمن أدب الرحلة. كما ترمي إلى إبراز الحضور العربي بأمريكا اللاتينية وإسهام العرب في المجالات الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والسياسية لمختلف بلدان هذا الجزء من العالم.
وأشار الباحث إلى أن علاقة المغرب بأمريكا اللاتينية عرفت دينامية كبيرة في عهد الملك محمد السادس، عكس ما كانت تعرفه سابقا من فتور وفراغ كان يستغله أعداء المغرب لصالحهم، مبرزا أن هناك مشتركات ثقافية عدة يتقاسمها المغرب مع أمريكا اللاتينية يمكن العمل عليها للارتقاء بالعلاقات بينهما، تهم التقنيات الزراعية والأساليب الفلاحية، والمعمار، والموسيقى، واللغة… تعود إلى الحقبة الأندلسية.
كما أن هناك آليات ومؤسسات ثقافية عدة تنشط بين الضفتين، لعل من أبرزها مركز محمد السادس لحوار الحضارات بالشيلي، والبيت العربي، وجمعية الصداقة المغربية الأمريكية اللاتينية، ومؤسسة الثقافات الثلاث، وغيرها…
وتطرق الباحث في الباب الثاني من هذه الأطروحة، الذي اختار له عنوان “صورة المغرب في أدب أمريكا اللاتينية”، وقسمه كذلك إلى ثلاثة فصول، جزئت بدورها إلى ثلاثة مباحث، إلى صورة مدينة فاس وأهلها من خلال كتاب “فاس الأندلسية” للغواتيمالي إنريكي كوميث كرييو، وكتاب مواطنه لويس كاردوثا إي أراغون “فاس مدينة العرب المقدسة”.
وانتقل الباحث في الفصل الثاني الموسوم بـ “صورة مدينتي طنجة وتطوان في أدب أمريكا اللاتينية”، للحديث عن مجموعة من الصور التي نقلت عن المدينتين، وعن المغاربة كذلك، سواء تلك التي وردت في بعض أعمال الشيلي سرخيو ماثياس، خاصة ديوانه “تطوان في أحلام أنديزي”، أو عبر ما جاء من صور في كتاب الأرجنتيني روبيرطو أرلت الموسوم بـ “انطباعات مغربية”. وختم هذا الباب بفصل ثالث، أدرج فيه أعمالا أدبية متفرقة لكتاب من أمريكا اللاتينية ذكروا المغرب، أمثال النيكاراغوي روبن داريو، والمكسيكي ألبرطو روي سانشيث، وآخرين؛ إذ نقلوا صورا عن المغرب والمغاربة تتأرجح بين ما هو سلبي وإيجابي.
وخلص الباحث إلى مجموعة من النتائج، أبرزها أن صور المغرب في أعمال أدباء أمريكا اللاتينية تنقسم إلى قسمين متباينين أيضا. يتمثل الأول في حضور صور نمطية أو جاهزة موروثة عن مستشرقين فرنسيين بالخصوص كانوا قد زاروا المغرب في فترات سابقة، ولم يكلف أصحابها أنفسهم عناء البحث عن مدى موضوعيتها. أما القسم الثاني فيتميز بالواقعية والمعاينة الشخصية للأشياء. وخصص بعض الكتاب، من أمثال إنريكي غوميث كرييو، وروبيرطو أرلت، وسرخيو ماثياس، وألبرطو روي سانشيث، كتبا بأكملها للحديث عن المدن المغربية وطبائع أهاليها، بينما البعض الآخر ذكر المغرب في أعماله بصورة عرضية، حيث خصص له قصائد معدودة، أو مقاطع روائية، أو مقالات نقدية، ونقل تجاربه عقب مروره بالمغرب إما لأغراض سياحية أو إدارية.
كما خلص إلى أن التشابه في مجال الزراعة أدى إلى انتقال مجموعة من الأساليب الزراعية، التي كانت سائدة في المغرب والأندلس، إلى أمريكا اللاتينية، وذلك بفضل الإسبان والموريسكيين الذين رافقوهم إلى الأراضي الأمريكية.
وبخصوص اللباس، فإن المشترك في هذا الجانب يتجلى من خلال تقليد المرأة البرازيلية، بالتحديد، طريقة اللباس الإسلامي لمثيلتها المغربية. وقد تأتى هذا الأمر من خلال تبني النمط الأندلسي. وفيما يخص المعمار، توصل الباحث إلى انتشار نماذج معمارية أندلسية مغربية في مختلف بلدان أمريكا اللاتينية، بالخصوص في المنشآت الدينية.
وشدد المصدر ذاته على استعمال عدد كبير من الكلمات العربية في الكتابات والمحادثات اليومية بين سكان بلدان أمريكا اللاتينية، لكون اللغة الإسبانية، شديدة التأثر بالعربية، هي اللغة الرسمية لمعظم هذه البلدان. كما أكد إمكانية إدراج المشترك في الأدب في إطار المثاقفة الأدبية، حيث تأثر كتاب مغاربة بالأدب الأمريكي اللاتيني من خلال الاطلاع عليه في لغته الأصلية، أي الإسبانية، أو من خلال قراءة ترجماته العربية والفرنسية. هكذا نجد أن أعمال خورخي لويس بورخيس، وغابريال غارسيا ماركيز، ومونتيروسو، وغيرهم، قد لقيت إقبالا كبيرا من لدن الكتاب والمثقفين المغاربة.
وأوضح أن المجتمعات الأمريكية اللاتينية تتميز بوجود جالية يهودية مهمة “المكون اليهودي”، وهي مغربية الأصل بنسبة كبيرة. وقد حملت معها عاداتها وتقاليدها المغربية إلى تلك البقاع، وساهمت في تدعيم الروابط الثقافية بين الجانبين.
وتشكلت لجنة المناقشة من الدكتور محمد الكنوني، أستاذ التعليم العالي بالكلية نفسها، بصفته رئيسا، والدكتور مومن الصوفي، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة، بصفته عضوا، والدكتور محمد برادة، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس، بصفته عضوا أيضا، إضافة إلى الدكتور بنعيسى بويزان، أستاذ التعليم العالي بالكلية متعددة التخصصات بتازة، باعتباره مشرفا.
وبعد نقاش مستفيض وجاد بين مختلف أعضاء اللجنة العلمية لما يزيد عن ساعتين من الزمن، قررت اللجنة اعتبار الباحث ناجحا بميزة مشرف جدا، مع تنويه خاص من كل أعضائها.
المصدر: وكالات