أعلن عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، “مراهنة” حكومته على “الإصلاح بالتدريج”، وقال: “سيكون لنا الوقت الكافي لوضع الإجراءات والبرامج المصاحبة حمايةً للطبقة المتوسطة، والتي نحن عازمون إن شاء الله على مواكبتها”.
ولم يَدَعْ رئيس الحكومة “فرصة مروره أمام البرلمان لإعلان تفاصيل الدعم المباشر”، مساء أمس الإثنين، تمر دون أن يذكّر بأن “الحكومة، بعدما عمِلت في إطار الحوار الاجتماعي على الرفع من الحد الأدنى للأجر في القطاعين العام والخاص بنسبة 10% والرفع من قيمة المعاشات في القطاع الخاص بنسبة 5%، وعملت على الرفع من أجر عدد من المهنيين (الأساتذة والأطباء والممرضين وأساتذة التعليم العالي)، وبعدما عملت على تخفيف العبء الضريبي على الدخل بالنسبة للأجور والمعاشات المتوسطة…”، فإنها تطلق “برنامجا طموحا للدعم المباشر للأسر ذات الدخل المنخفض ومن الطبقة المتوسطة الراغبة في اقتناء مسكنها الرئيسي”.
وتابع مخاطباً النواب والمستشارين الحاضرين للجلسة المشتركة: “لإنجاح هذا الورش الوطني، فإن شُغلنا الشاغل هو ضمان كرامة المواطنين ومستقبل الأجيال القادمة؛ حيث إن من شأن هذه الإجراءات، وكما جاء في الخطاب الملكي لافتتاح البرلمان، أن تساهم في إحداث مجموعة من الآثار الإيجابية على الأسرة بشكل خاص وعلى بلادنا بشكل عام، وذلك من خلال “تحسين مؤشرات التنمية الاجتماعية والبشرية وتقليص نسب الفقر والهشاشة والحد من الفوارق الاجتماعية”.
وأكد على “الاستثمار في الرأسمال البشري” لأن “الاستثمار في الأطفال في سن مبكر يضاعف من التأثيرات الإيجابية، ويساهم في تحسين وتجويد التغذية والتعليم والصحة العمومية، وبالتالي الرفع من الإنتاجية”.
وستساهم هذه الإجراءات في “دعم الفئات الأكثر هشاشة: خاصة النساء وكبار السن، وتكريس التضامن بين الأجيال، وتخفيف العبء المالي والنفسي على الأسر التي تعيل الأشخاص كبار السن”، على حد تعبيره. كما عدَّها “تحسيناً للولوج إلى التعليم والصحة” عبر “اشتراط تمدرس الأطفال للحصول على القيمة الكاملة للدعم الاجتماعي المباشر، وحث الأمهات على متابعة الفحوصات الطبية خلال فترة الحمل واستكمال اللقاحات والفحوصات الطبية للأطفال حديثي الولادة”.
هذه الإجراءات، بحسب أخنوش، تساهم كذلك في “الحد من الفوارق المجالية وتوفير دخل منتظم للأسر التي تعيش على مداخيل الأنشطة الموسمية، مع توفير الرعاية للأطفال في وضعية إعاقة من خلال تلبية جزء من احتياجاتهم الخاصة، واستهدافهم بشكل أفضل”.
“الاستثمار في الأجيال المقبلة”
“إن قناعتنا الراسخة تتمثل في أن مستقبل بلادنا، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك، يمر حتما عبر العناية بمستقبل أجيالنا القادمة. مستقبلٌ لا يمكن بناؤه إلا بسواعد أبناء هذا الوطن، ولا يمكننا تصور معالم هذا المستقبل ما لم نستثمر اليوم في مواردنا البشرية، ولن نتمكن أبدا من ذلك ما لم نضع أطفال اليوم على طريق النجاح عبر توفير ظروفه المواتية”.
وشدد على أن “الدعم الاجتماعي المباشر للأسر من شأنه أن يمنَحَ ملايين الأطفال حقهم في الإنصاف، الذي يتجاوز الحاجيات الأساسية إلى اكتساب المهارات الحياتية، وهذا البرنامج الوطني، يسائل فينا روح التضامن بين مختلف فئات المجتمع”.
“روح التضامن المغربي صمّامُ أمان”
وأشاد أخنوش في كلمته المطولة بـ”الروح التي قدم بها المغاربة دروسا في مواجهة الأزمات”، معتبرا أنها “اليومُ صمّام أمان المجتمع المغربي المتماسك أمام التقلبات والأزمات وضبابية المشهد العالمي”.
وتابع: “هذه الروح نعول عليها للمساهمة في تقليص الفوارق وتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية والمجالية بفضل الاعتماد من حيث الاستهداف على السجل الاجتماعي الموحد، باعتباره الآلية الأنجع والأكثر شفافية لاستهداف الأسر الفقيرة والمعوزة، خاصة وأنه يقوم على معايير موضوعية تمكن من تخويل أحقّية الاستفادة بكيفية ناجعة”.
“أؤكد أننا كحكومة كانت قناعتُنا منذ البداية، في انسجام مع التعليمات الملكية، أن تكون عملية الاستهداف عبر السجل الاجتماعي الموحد آلية فعالة للمزيد من الإدماج. وانطلاقا من هذه القناعة، فعملية الاستهداف ستشمل فئات واسعة تفوق بكثير عدد المستفيدين من كل البرامج الاجتماعية السابقة مجتمِعةً، حيث تهم 60% من الأسر المغربية غير المشمولة حاليا بأنظمة الضمان الاجتماعي، على اعتبار أن هذا الورش الوطني يروم وضع أسس جيل جديد من العمل الاجتماعي، يمكّن أكبر عدد من الأسر من تحسين ظروف عيشها”.
وبالنظر إلى نوعية الفئات المستهدفة وحجم الاعتمادات المالية غير المسبوقة التي سترصد لتمويل هذه الإجراءات وكذا النتائج الإيجابية المتوخاة، قال أخنوش إن المغرب “بصدد التأسيس لسياسة اجتماعية وطنية أكثر إنصافا واستدامة، كما أرادها الملك، تستثمر في الحاضر من أجل مستقبل أفضل؛ سياسة تضامنية تجدد رباط الثقة وتزيد من منسوب الأمل في الاستقرار الاجتماعي مستقبلاً”.
استدامة الورش الاجتماعي “واجب وطني”
وشدد رئيس الحكومة على “انخراط الجميع وتملُّك قيم التضامن والإنصاف”، وعلى أن “هدفنا هو أن نؤسس لمرحلة جديدة، في مسارنا التنموي، يكون فيها المواطن هو الشغل الشاغل لورش الدولة الاجتماعية بمختلف مشاريعها وسياساتها كما أرادها الملك. ولذلك، فالحرص على فعالية ونجاعة واستدامة هذا الورش يرقى إلى مستوى الواجب الوطني، ويدعو كل الفاعلين وكل القوى الحية إلى المساهمة في تنزيله وتتبعه وتطويره”.
وقال إن “تحقيق مغرب التقدم والكرامة يحتاج منا جميعا، أغلبية ومعارضة وشركاء اجتماعيين واقتصاديين وجميع المواطنين، كل مِن موقعه، الانخراط في الإرادة الملكية الصادقة، ومضاعفة الجهود لنساهم جميعا في إنجاح وتنزيل تصوراته، وننخرط في مختلف مسارات الإصلاح التي يبقى جلالة الملك محمد السادس مهندَسها الأول”.
وخلص أخنوش إلى “ضرورة تحكيم بصيرتنا والأخذ بزمام المبادرة للتضامن مع أخواتنا وإخواننا، في سبيل إحقاق مجتمع يرعى صغارَنا ويمنحُهُم الأمل في غد أفضل؛ إنه مجتمع يحمي من إكراهات العيش مَنْ هُم في وضعية إعاقة ومن يعيشون وضعية هشاشة؛ مجتمع يَعترف بالجميل وبتضحيات المسنين من آبائنا وأجدادنا”.
المصدر: وكالات