في إطار سعيها لنيل مكاسب لمختلف الفئات المجتمعية، وخاصة الأطفال، تواصل هيئات حقوقية الترافع من أجل إقرار إثبات النسب بالنسبة للأطفال الذين يولدون خارج مؤسسة الزواج.
وفي وقت تطالب فعاليات حقوقية بالتفاعل إيجابا مع موضوع النسب، والاستعانة بالخبرة الطبية بأمر من القاضي، تتعاطى الدولة بتحفظ مع هذا الموضوع، في ظل تحذيرات خبراء وأخصائيين نفسانيين من تداعيات وصم “طفل غير شرعي” النفسية والاجتماعية.
عشرات المقابلات أجرتها الأخصائية النفسية بشرى المرابطي مع أبناء ولدوا خارج مؤسسة الزواج، خلصت إلى كشف معاناة نفسية عميقة تظهر بشكل أكبر حينما يتقدم الطفل في السن، ويبلغ سن المراهقة.
وقالت المتحدثة، في اتصال مع هسبريس، إن “هذه المعاناة كما هي في الواقع المغربي هي نفسها لدى الأبناء في دول غربية كأمريكا وكندا؛ كما أثبتت بعض الدراسات لدول أسيوية، كاليابان وكوريا، ودراسات عربية، وجود قاسم مشترك بينهم، وهو الوصم الذي يؤدي بهم إلى سلوك عدواني تجاه ذواتهم والمجتمع، بالإضافة إلى تعزيز احتمال وقوعهم في سلوك المخاطر، أي الجريمة والمخدرات والدعارة والدخول في الأنشطة الجنسية في مرحلة المراهقة”.
“هؤلاء الأطفال المدرسة في وقت مبكر، مع تسجيل انخفاض في المستوى التعليمي لهذه الفئة؛ ناهيك عن معاناتهم بسبب التنمر والنعوت الكثيرة التي تلقى عليهم، وأغلبهم يحملون أسماء أمهاتهم وأسماء شخصية غير معروفة، وزملاؤهم في المدرسة أو الحي يعرفون بهذا الأمر”، تورد المرابطي، لافتة إلى أن “هذه الفئة تواجه انخفاضا في تقدير الذات وعدم الرضا عنها، واضطراب الهوية النفسية، لأن المعنيين يحسون بأنهم أطفال من الدرجة الثانية ولا يعيشون المساواة مع أقرانهم؛ بالإضافة إلى انخفاض الشعور بالأمن النفسي، وبأن مستقبلهم مهدد، إذ لا يملكون وثائق وهوية، ويكون لهم تعلق كبير بأمهاتهم مرفوق بقلق دائم من أن تصاب الأم بمرض خطير في ظل غياب روابط تجمعها مع العائلة”.
وتعاني هذه الفئة كذلك على المستوى الاقتصادي، إذ أثبتت عدد من الدراسات أنه حتى في الدول التي تتوفر على سياسات حمائية تجاه هؤلاء الأبناء، كسويسرا وأمريكا، هناك ارتفاع معدل الفقر وسط هذه الفئة، ويعيشون في أحياء هامشية بعد هروب الأم من الأسرة والجيران، واضطرارها للعيش في تلك الأحياء، التي تسودها ثقافة تؤثر على التنشئة الاجتماعية للطفل بشكل سلبي.
كما يعاني هؤلاء الأطفال من ضعف تمثل القيم المجتمعية، لأنهم لا يحتكون بباقي العائلات، ومن غياب الوظيفة الأبوية ومفهوم الرجولة، أو ما تسمى لدى علماء النفس “غياب النمذجة”، وهي أساسية في نمو الطفل والمراهق.
صوت خافت
سجلت الأخصائية النفسية بأسف أن “صوت الدفاع عن هؤلاء الأطفال خافت خلال المشاورات المتعلقة بتعديل المدونة”، مبرزة أن “الشريعة الإسلامية والكثير من الفقهاء قالوا بجواز إثبات نسب الطفل الذي يولد خارج مؤسسة الزواج لأبيه”، وزادت: “هناك فعلا جمهور الفقهاء الذين رفضوا، لكن هناك مجموعة من الفقهاء أجازوا ذلك، بمعنى أن المسألة خلافية”.
وأشارت المتحدثة إلى أن “الفقهاء السابقين رفضوا إعطاء النسب للابن ‘غير الشرعي’ لأنهم كانوا يريدون أن يلحقوا العقوبة بالأب الزاني، لأن المجتمع العربي كان فيه الرجل يستقوي بأبنائه وبالنسب؛ أي إنهم بمنعهم النسب يقللون من شأن الرجل ولا يقللون من الابن، بالإضافة إلى أن النفقة والرعاية للابن كانت واجبة”.
وتابعت المرابطي بأن “الرجل في الزمن الراهن حين يتنكر للمرأة ولحملها يذهب ويقيم علاقات مع نساء أخريات، وتقع العقوبة على المرأة والطفل أساسا، وهو ما يستدعي تغيير الرأي حول هذه القضية”، مشيرة أيضا إلى قاعدة “المعصية لا تضيع الحقوق” بالقول: “اليوم الأب يعصى وحق الطفل يضيع”، كما أوضحت أن “النسب يثبت بأدنى دليل ولا ينفى إلا بأقوى دليل”.
المصدر: وكالات