السبت 22 أبريل 2023 – 16:24
نحلم باستقبال 17 مليون سائح لكننا لا نخطط للطريقة التي نهيئ بها بلدنا لهذا الحلم، لأننا لا نعرف صناعة السياحة ومبادئها وقواعدها كما تدرس في الماركتينغ العالمي. من هو السائح الذي ننتظر مجيئه لبلادنا؟ ماذا يريد؟ ما هي حاجياته؟ ما هي المحرمات التي نفرضها عليه؟ ماذا يجوز له في بلد مسلم؟ إلى أي مدى نتسامح مع ميوله؟ ما هي بنياتنا التحتية التي ستسهل عليه الإقامة والتواصل والسفر داخل المغرب؟ ما هي التقاليد المغربية المتناقضة مع الصناعة السياحية؟
لماذا نجد السياحة منعدمة أو ضعيفة في بعض المناطق ومزدهرة في مناطق أخرى لأسباب “غير أخلاقية”؟ لا يمكن لأفغانستان أو إيران أن تكونا منطقتين سياحيتين حتى ولو رغبت الأنظمة السياسية في ذلك؛ لأن الحجاب الإجباري يعيق أكثر من انعدام الأمن والعداء الطبيعي لغير المسلم. لماذا تزدهر السياحة الجنسية في تايلاند؟ لأن هذا البلد يبيح اللذة الجنسية بجميع أشكالها، حتى المحرمة في الغرب، كما أن عمليات التحول الجنسي هناك هي الأرخص في العالم.
أحيانا نجد بعض العوامل الفارقة في نجاح أو فشل السياحة رغم تفاهتها، من ذلك مثلا، توفر المراحيض في البلد المضيف. نحن في المغرب نقضي حاجتنا في المقاهي والمطاعم دون استهلاك أي شيء، أحيانا بالأداء وأخرى مجانا. فكيف تتصرف سائحة أجنبية حين يصيبها مغص مفاجئ وهي في أحد أعظم الشوارع المغربية؟ لا علم لها حتى بهذا التصريف الجهنمي الذي نمارسه نحن.
سأل طلبة المركز الأمريكي للغة في مكناس أستاذا أمريكيا قضى سنتين بالمدينة عن ارتساماته عن المدينة فقال: “Meknes is very very very bad”، وهو على حق فيما قال، ماذا يشدك إلى مدينة مكناس؟ لا سينمات ولا مسارح ولا ملاهٍ ولا معارض ولا غرائب. تأكل وتشرب وتمشي في الشوارع وفي المساء تنام. هل هذه هي السياحة؟
في مراكش، تم إنجاز بعض المرافق والأنشطة التي تثير اهتمام السائح، مثل تسلق الجبال والمرور عبر الكابلات بين الجرُف واستعمال المناطيد وسيارات السباق في المسارات المغلقة أو المفتوحة وغير ذلك، فتغير الوجه السياحي بشكل متميز عن باقي المدن السياحية. فأن تكون عندك المآثر والمدينة القديمة بكل ثرائها وعجائبها غير كاف. الذين يخططون للتنمية السياحية يفكرون في عدد الأسرة وشكل التجهيزات الفندقية ونوع الراحة المتوفرة وغيره فقط، ونحن نقول لهم الله يعطيكم الصحة، فعلا نحن مصنفون عالميا في الصفوف الأولى في تصنيف الفنادق. لكن الأشياء الأخرى التي تثير السائح، أين هي؟
في كأس العالم في قطر، وجد السياح صعوبة في شرب النبيذ لأنه محرم في البلاد ومنعوا من اللباس غير المحتشم، وحاولت الدولة إيجاد مخرج لذلك فلم يقتنع سواح الكرة. والأمر نفسه يحدث عندنا في فترات من السنة، مثل رمضان، الذي لا يصلح للسياحة إلا بتقليص الأنشطة السياحية لتجنب استفزاز الصائمين. وقد اعتقد بعض السواح أن غارة جوية ستنفذ على المدينة مع غروب الشمس حين سماعهم صفارات الإنذار وصوت المدافع ورؤيتهم خلاء المكان. وقد التقيت مرة سائحتين مرعوبتين صباح عيد الأضحى وهما يريان الشوارع فارغة إلا من “قطاع الطرق” يحملون السكاكين ويجرون يمينا وشمالا، وكن يبحثن عن دكان أو متجر كبير دون فائدة. فطمأنتهما وساعدتهما على اقتناء الماء وبعض الزاد. وهذا كله يطرح إشكالية ذكاء التواصل مع السائح.
علماء ماركوتينغ السياحة يركزون على مسألتين مهمتين؛ الأولى تتعلق بما سيقوله السائح للآخرين عن المغرب، فيشهر بلادنا بشكل إيجابي أو سلبي. والثانية تتعلق بإمكانية عودة هذا السائح إلى بلدنا، مرة أو مرتين أو أكثر. كل ذلك بفضل ارتياحه الأول وانطباعاته التي تعيده إلينا أو تجعله يشهر المغرب عن طريق تقنية “من الفم إلى الأذن”. فهل نستطيع احتلال مركز متقدم من بين الدول العشر الأولى كما تحلم بذلك الحكومة الحالية؟ 17 مليون سائح؟ ممكن، لكن 82 مليونا مثل إسبانيا؟ مستحيل.
المصدر: وكالات