صار شهر يونيو الجاري ملحميا بامتياز بسبب تسجيل انتصار الفيلسوف رفاييل انتهوفن على الذكاء الاصطناعي “ChatGPT” في اختبار الفلسفة، بحيث حصل الأول على درجة 20/20 بينما حصد الثاني 11/20.
جدد هذا الأمر آمالاً في أنّ “الذكاء الإنسانيّ” مازال بخير، خصوصا مع ظهور تخوفات كثيرة في دول العالم الثالث، بما فيها المغرب، بشأن اكتساح الذكاء الاصطناعي لمجموعة من المهن، واختراقه بعض المنظومات الفكرية، بما فيها العلوم الاجتماعية والإنسانية.
خوف غير مبرر
حسن أحجيج، كاتب وباحث مغربي في العلوم الاجتماعية، يرى أن المخاوف من سيطرة الذكاء الاصطناعي على مصير البشرية ترتبط أساسا بتضخيم المخاطر الذي تقوم به أفلام الخيال العلمي ووسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية الرقمية، وكذلك بعض الشخصيات الشهيرة، مثل إلون ماسك، وكتابات العلوم الإنسانية التي ينجزها مفكرون غير متخصصين في الذكاء الاصطناعي.
أحجيج أوضح ضمن تصريحه لهسبريس أن “هذه المخاوف ليس لها ما يبرّرها”، مستبعدا أن “تكون مثل هذه المخاوف جديدة، بحيث انبجست إثر كل ابتكار تكنولوجي جديد طوال تاريخ الحضارة البشرية”.
ويؤكد البعض، وفق الباحث ذاته، على أن الذكاء الاصطناعي سيقضي على روح البشرية في المستقبل عندما يتمكن من التوصل إلى تحقيق استقلاليته عن الإنسان من خلال “التخطيط الذاتي”، ما يتيح إمكانية السيطرة على العالم وتدميره.
ومن ثمّة، يجد المتحدث أنه “ينبغي التذكير بأن الذكاء الاصطناعي ظهر مع الحاسوب، واستخدمه البشر منذ ذلك الحين إلى اليوم في الكثير من الأشياء التي نستعملها بشكل روتيني”، وأضاف: “نلاحظ أن الذكاء موجود فقط من أجل التغلب على التحديات الملحة، إذ لا يمكنه أن يظهر أو يتطور بدون أنواع حقيقية من المشكلات التي يجب حلها. لن يتطور الذكاء إلا لحل تلك المشكلات. بمعنى، لإنشاء ذكاء اصطناعي بسيط نقوم بإنشاء خوارزمية لحل مشكلة محددة واحدة”.
ولا يفوت الباحث المغربيّ أن يُشير إلى أنه “يجب أن توجد مشكلات أكثر تعقيداً من سابقاتها لنطور ذكاء اصطناعيا جديدا ونطور خوارزميات جديدة لحلها”، مؤكدا أنه “بدون تحديات جديدة مستمرة تتطلب الحل لن يكتسب الذكاء الاصطناعي ذكاء إضافيا”.
المشكلات الحقيقية التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، أو التعلم الآلي، المصطلح الذي يفضله العلماء، تتعلق في رأي أحجيج “بالانعكاسات الاجتماعية”، وزاد: “نتذكر موت أول مشاة بسبب سيارة ذاتية القيادة في ولاية أريزونا، ما أثار مخاوف بشأن السلامة والمسؤولية”.
أحجيج يعيد الواقع إلى فترة جائحة الفيروس التاجي، ليذكّر كيف “أشارت عناوين الصحف إلى أن مخاطر العدوى المرتبطة بالتفاعلات المباشرة حفزت على استبدال العاملين البشر بالذكاء الاصطناعي والأتمتة”.
كما أوصت خوارزمية، حسب قول الباحث ذاته، بأن “يتلقى المرضى السود رعاية صحية أقل من المرضى البيض الذين يعانون من الظروف نفسها”، مضيفا أنه تم “استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لدعم عدالة جنائية أكثر حيادية، ومع ذلك فهي متهمة بالتحيز العنصري”.
“تكنولوجيا غير محايدة”
من الأمثلة التي يقدمها أحجيج، في تواصله مع هسبريس، أن هناك تقريرا أوضح أن “برامج التعرف على الوجوه أقل احتمالًا للتعرف على الأشخاص ذوي البشرة الملونة والنساء”، مردفاً بأنّ “الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقوي التفاوتات الحالية القائمة بين البلدان وداخل البلد الواحد بين الفئات الاجتماعية والمجالات الجغرافية”.
ومما يثير مخاوف أكثر هو ما ربطه المتحدث بتأثير الذكاء الاصطناعي في مستقبل الرعاية الصحية وعدم المساواة والحرب والعمل، وغير ذلك من المشكلات الواقعية.
ولكل ذلك، ذهب أحجيج إلى الاعتقاد بأن “اهتمامنا يجب أن ينصب بالأساس على هذه التحديات الحقيقية، وكذا على انعكاسات تأخر بلادنا في الانخراط في هذا المشروع”، مبرزاً أن “الدول المتقدمة تتسابق اليوم إلى تطوير الذّكاء الاصطناعي لأنه يبدو رهان السيادة الآن وفي المستقبل”.
في هذا السياق، قدم أحجيج مثال الولايات المتحدة، حيث وقع الرئيس السابق ترامب عام 2019 الأمر التنفيذي الذي أعلن عن الإستراتيجية الوطنية الأمريكية بشأن الذكاء الاصطناعي، وصدر عام 2020 تقرير يوصي بالرفع من الاستثمار الفيدرالي في أبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي بمعامل 10 على مدى السنوات العشر القادمة.
وحسب تفسير الباحث ذاته فإنّ الشركات الخاصة مثل أمازون وغوغل وميكروسوفت تستثمر بشكل كبير في تطوير الذكاء الاصطناعي، مشيرا إلى أنه من خلال هذه الاستثمارات، إلى جانب القيمة المجتمعية المنسوبة للحلول التكنولوجية، يتم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد لتنظيم البيانات والتنبؤ بالنتائج وإدارة العوالم الاجتماعية وتشخيص أمراض المستعصية.
كما قال الكاتب المغربي إنّ هذه الأنظمة تتشابك “بعمق مع المجتمع في إطار ما يسميها علماء دراسات العلوم والتكنولوجيا ‘السوسيو-تكنولوجيا’، مفصّلاً أنه “مصطلح يلفت الانتباه إلى كيفية تضمين القيم والممارسات المؤسسية ومحاربة عدم المساواة والعنصرية في برمجيات الذّكاء الاصطناعي وتصميمه واستخدامه”.
في النهاية، خلص أحجيج إلى كون الذكاء الاصطناعي بالتأكيد، مثل كل ابتكار تكنولوجي آخر، يقدم مجموعة واسعة من الفرص والتحديات، ما يستدعي التفكير في كيفية إدارة تطوره بطريقة تزيد من فوائده وتقلل من مخاطره المتعلقة بالتفاوتات الاجتماعية.
المصدر: وكالات