لا يودّ الصوت المغربي في المواسم المتتالية من “تحدي القراءة العربي” أن يخفتَ مادام سنويّا قادراً على تقديم براعم في جبّة “نوابغ”، “يربّون في قلوبهم حميميّة خاصة للكتاب والمعرفة، والتفكير الحر والنقدي، بما هو خلاص لا تتيحه، في العادة، سوى الكتب التي بمقدورها خلخلة جملة من يقينيّاتنا عن الحياة”، ودفعنا إلى طرح الكثير من الأسئلة خارج “جنون الادّعاء”.
وخلال هذه الدّورة السابعة بدبي، يبدو أن المفعول المغربي يواصل إثارة الإعجاب في الشّرق الأوسط ثقافيّا؛ فهذه الديناميّة التي يضيفها كلّ من بطل المغرب في فئة ذوي الهمم عثمان أوبريك، الذي يعاني من “التوحد”، وبطلة المغرب ملاك العمراني، تعيد تدوير “الأحلام السّنوية” بالظفر بلقب يعتبر من أهم الألقاب المتصلة بفعل القراءة والتشجيع عليها في صفوف الناشئة: تحدي القراءة العربي.
ولا تظهر على أوبريك علامات “الخوف من النتيجة”، فلغته كلها ثقة، وهدوء، يتحدث بها ليعود إلى الدّرجة الصّفر، حين بدأت الحكاية، إذ قال: “بدأ حبي للكتب مبكراً انطلاقاً من طفرة فضوليّة مُفرطة لا أعرف مصدرها. كنت دائماً منجذبا للتّفاصيل، بل لأدقها وأكثرها عمقا وتوغلاً. في البدء، كنت أشاهد محتويات معرفية في ‘يوتوب’ وباقي مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدت عند أحمد عصيد ورشيد أيلال وقتها شيئاً عميقاً ونادراً، كان هو ‘التّنوير’، وتأثّرت بهما”.
وأضاف المغربيّ، في حديث مع جريدة هسبريس بدبي، أن “ما جاء بعد ذلك هو محاولات ربط الجسور بعالم مُتخيّل يكمنُ في الرّوايات وفي الأعمال النّقدية والدّراسات، تنقيباً عن مستوى آخر من الفضول”، مردفا: “قرأت لعبد الله العروي، تحديداً كتاب ‘مفهوم الحريّة’، وقرأت مقالات عن محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن، وقرأت عرائس البروج لجبران خليل جبران وأنا في سن السابعة عشرة. قرأت كثيرا، ولا أحصي صراحة، كل ما وجدته أمامي ألتهمه”.
وكشف المتحدث انتصاره للأدب “الذي ينبش في هموم الفقراء ومحن الأطفال”، وعن حبه للسينما، وحلمه “أن يصير مهندس دولة”، وزاد: “لممارسة كل هذا لا يشكل لي التوحد أي مشكلة، بقدر ما هو حافز للمزيد من الإصرار؛ فالقراءة نجاة بالنسبة لذوي الهمم، نثبت من خلالها وجودنا ونساعد في تكسير الصور النمطية عنا. ولكني لا أريد أن أرتهن بالقراءة وأهمل مجالات أخرى، فلدي طموحات كثيرة في هذه الحياة”.
وتنبأ المغربي بأن “اللقب سيكون هذه المرة أيضا مغربيا”، موضحاً: “ليس لي فقط، بل وملاك معي، فلا قيمة لأفوز وحدي، أريد أن نفوز معاً، أن نحصل على اللّقب، فهذه التجربة وهذا الجهد هو مرحلة مفصلية في مساري الفكري والمعرفي والإنساني”، وتابع: “منذُ بدأت في هذه المسابقة وأنا أتطور تدريجيا وأكتشف أشياء جديدة، وتعلمت كيف أخرج من دائرتي الضيقة كشخص يعاني من التوحد، واستطعت الحديث أكثر ووصلت إلى آخر المراحل، لهذا لا أرى اللقب بعيداً”.
ولا يرفع الرهان عثمان وحده، فملاك تشاطره الحلم والرغبات بشأن الإعلان غداً الثلاثاء. وتذهب توقّعات “القارئة النهمة باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية” إلى أن لقب “تحدي القراءة العربي سيكون بألوان علم المملكة المغربية”، وقالت: “هذه المبادرة لا يستهان بقيمتها الرمزية، ولها مصداقيّة كبيرة وتحظى بثقة كل المهتمّين بالشأن الثقافي في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، فالفوز بها هو اعتراف يشكل حلماً لأي قارئ”.
ابنة سلا المغربيّة لا تخفي، في حديثها إلى هسبريس، أن الأنباء السّنوية عن هذا التحدي الإقليمي والعالمي كانت فرصة لكي تضاعف فعلها القرائي، بحيث التهمت “كل كتب فراشة الأدب مي زيادة خلال الصيف الفارط”، وتؤكد أنها منذ بداية مشوارها في السفر بين سطور الأدب تفطّنت إلى أن “القراءة فعل مختلف، ليس كغيره الذي يتوهج فجأة ويخبو وينطفئ فجأة، بل هي متعة ومعرفة وتعلم وشغف يسد كل ذلك الجوع الذي يشعر به الإنسان إلى المعرفة”.
وأفادت المغربية الحالمة بأن “تصبح طبيبة للقلب والشرايين”، وهي تتحدث بخطابة رائقة تلفت نظر كل من يمرّ بالأرجاء، بأن القراءة بالنسبة إليها “تمثّل جواباً أميناً عن الأسئلة الكبيرة، بما أن المطالعة هي تبديد للخرافة، وشكل من أشكال الحرية والانعتاق والبحث الدؤوب عن المجد”، واستطردت: “القراءة أكسبتني نسخة من نفسي لم أعرفها قطّ، سطرتُ أهدافا لم أكن لأدركها؛ وجدت الروح التي تشبهني، كلما استوقفتني الحكاية وفقدت نور الشغف الذي يتوهج بداخلي”.
وعن مسيرتها في السّير بين الورق، بينت العمراني أنها بدأت بسيرة “الأيام” لعميد الأدب طه حسين، لكنها امتدت لاحقا، حسب قولها، إلى محمد زفزاف ومحمد شكري، والروايات الصّعبة لعبد الله العروي، معتبرة أن “الرواية المغربية تتسم بالنضج والقرب من القارئ المغربي خصوصا؛ هي حكايات صادرة في بيئته، تشبهه بالضّرورة”، خاتمة: “لذلك كان الكتاب المغاربة جزءا مهما ضمن مسيرتي القرائيّة، وبفضلهم وبفضل غيرهم من الكتاب أنا اليوم بدبي، ولولا المؤلفات العظيمة لم أكن لأصل إلى هنا.. فشكراً للقراءة”.
المصدر: وكالات