الوصف الوظيفي وتوزيع المهمات يلعب دورًا محوريًا في تعزيز كفاءة العمل وضمان حماية حقوق الموظفين في المؤسسات، فعدم وضوح التكليفات الوظيفية قد يؤدي إلى ارتباك الموظفين ويؤثر سلبًا على إنتاجيتهم وتقييمهم السنوي، ما يستدعي الحاجة إلى وضوح كامل وتوثيق رسمي للأدوار والمهمات. ويناقش مختصو الموارد البشرية والاجتماعيون عبر «عكاظ»، أهمية تنظيم المهمات الوظيفية وتأثيرها على الأداء العام للفريق والمنظمة.
الموظفون يتكلمون
غادة محمد تقول: منذ فترة طويلة لم يتم تكليفي بأي مهمات واضحة، وهذا الأمر يخلق حالة من الإحباط والارتباك وعندما أتساءل عن واجباتي الوظيفية لا أحصل على إجابات واضحة، أو ورق رسمي يحدد مسؤولياتي، إذن كيف سيتم تقييم أدائي في نهاية العام وأنا لم أُمنح الفرصة لأثبت نفسي؟ أشعر أنني محاصرة في دائرة الغموض واللامبالاة.
وكذا لمى السالم تقول: أشعر بأنني عالقة في منطقة رمادية في العمل.. لا تكاليف ولا مسؤوليات واضحة، ولم أتلقَّ أي وثيقة رسمية تحدد المطلوب مني، فمن غير المعقول أن أعمل دون هدف واضح أو توجيهات.. أطالب بالإجابات الواضحة، وأتساءل كيف سيتم تقييم أدائي الوظيفي في هذا الوضع المبهم؟
والحالة ذاتها عند ديما خالد، فالوضع أصبح مرهقًا، إذ يوزع المدير المهمات العشوائية دون تحديد مهماتي الرسمية. فيقول لي «أكملي» وكأنني على دراية بماهية العمل. أحتاج لمعرفة مسؤولياتي بشكل دقيق فهذه الطريقة لا توفر لي أي وضوح أو توجيه، ولا أستطيع أداء العمل بكفاءة دون توضيح لماهية دوري في الفريق.
هاشم علي: من الصعب أن أعمل بشكل فعال عندما لا يتم تكليفي بأي مهمات واضحة، أشعر أنني أقوم بدور هامشي في الفريق، وهذا ينعكس على مستوى الرضى الشخصي والمهني. لا يوجد أي توجيه رسمي يوضح المطلوب مني، وأخشى أن يتم تقييم أدائي بناءً على هذا الغموض، وليس بناءً على أدائي الفعلي.
ويقول وليد موسى: كل يوم عمل يأتي دون تكليف واضح، يجعلني أشعر بأنه مضيعة لوقتي، ولا يحقق لي أي تقدم «لا أدري كيف سيتم تقييم أدائي في نهاية العام. الوضع غير منصف ويضعني تحت ضغط كبير، خصوصًا عندما أرى زملائي يتلقون تكاليفهم بوضوح بينما أظل أنا على الهامش».
.. والمديرون يعلّقون
أمل العيسى (مديرة سابقة)، ترى أن توزيع المهمات بين الموظفين يجب أن يتم وفقًا لمعايير واضحة تأخذ بعين الاعتبار التخصصات والقدرات الذاتية والسمات الشخصية لكل موظف، فعدم تكليف الموظف بمهمات مناسبة، أو عدم توقيعه بالعلم على هذه المهمات، يعد مخالفة صريحة تترتب عليها مساءلة المدير المعني من قبل الجهات المختصة، خصوصًا في حال تقدم الموظف بتظلم نتيجة لتقييم غير منصف لأدائه الوظيفي.
وأشارت العيسى، إلى أن مثل هذه التجاوزات قد تكون نتيجة ضعف في الخبرة الإدارية أو سوء تخطيط، وقد تتفاقم إذا توترت العلاقة بين المدير والموظف، إذ يستغل أحد الطرفين عدم التوقيع لأهداف خاصة، كأن يُكلف الموظف بمهمات خارج نطاق مهماته الأساسية. وختمت العيسى، بالتأكيد على أن الموظف لديه الحق في الرجوع إلى اللوائح التنظيمية الخاصة بكل جهة لحماية نفسه، وتبليغ مديره بأي تكليفات لا تتناسب مع اختصاصه.
أما شيخة عبدالله (مديرة قسم) فتقول: إن تنظيم المهمات الوظيفية بين الموظفين والمديرين يلعب دورًا محوريًا في تحقيق أهداف المنظمة وضمان إنتاجية عالية وسير العمل بسلاسة. وشددت على أهمية التكليف الرسمي للموظفين بالمهمات قبل الشروع فيها، سواء كان ذلك عبر خطاب رسمي أو من خلال البريد الإلكتروني، بهدف حماية حقوق الموظف وضمان التزامه بالأنظمة المعمول بها.
وأشارت إلى أن الاعتماد على المهمات دون توثيق رسمي قد يؤدي إلى تعقيدات قانونية وإدارية.. «الحرص على توثيق التكليف الرسمي ليس فقط لحفظ حق الموظف، بل يساهم أيضًا في تعزيز الشفافية وتحقيق الانسيابية في أداء العمل، ما يعكس قدرة المنظمة على تحقيق أهدافها بكفاءة».
وأضافت شيخة: من حق كل موظف طلب التكليف الرسمي قبل البدء بأي مهمة، لضمان وضوح الأدوار والمسؤوليات وتجنب الوقوع في أي إشكاليات مستقبلية قد تعرقل سير العمل أو تؤثر على الأداء العام للمنظمة.
ضعف ومخالفة إدارية
المختص في الموارد البشرية هشام السليماني، يؤكد ضرورة تحديد المهمات الوظيفية لكل موظف، مشيرًا إلى أن وجود وصف وظيفي دقيق يساعد على تحقيق الكفاءة المطلوبة في أداء العمل، فالوصف الوظيفي يجب أن يحتوي على قائمة واضحة للمهمات والأهداف السنوية أو نصف السنوية، ويتم إعداد هذه الوثيقة من قبل المدير المباشر بالتعاون مع إدارة الموارد البشرية لضمان تنفيذها بالشكل الصحيح.
وأشار السليماني إلى أن عدم توقيع المدير على التكليفات الوظيفية، يعتبر مخالفة إدارية تتعلق بإدارة العمل، ويعكس ضعفًا في الإدارة قد يؤدي إلى مساءلة المدير المسؤول إذا ثبت فشله في تحقيق الأهداف المتفق عليها.
وأضاف: أن المحاسبة قد تصل في بعض الأحيان إلى الفصل دون مكافأة نهاية الخدمة، إذا كان التقصير كبيرًا وأثر على سير العمل.
وفي ما يخص حماية الموظف من التقييم السلبي، أكد السليماني، أهمية أن يطلب الموظف من مديره توضيح الأهداف الوظيفية بوضوح، سواء عبر البريد الإلكتروني أو خطابات رسمية، لضمان وجود دليل موثق يمكن الرجوع إليه عند الحاجة. كما شدد على أهمية دور إدارة الموارد البشرية في تحقيق العدالة بين الموظفين والمديرين ومتابعة سير العمل بالشكل الصحيح.
وأضاف السليماني، أن عدم تكليف الموظف بمهمات من قبل مديره يمكن أن يؤثر سلبًا على الأداء العام للفريق، إذ يعتبر المدير هو المتضرر الأول في هذه الحالة، لأن عدم توزيع المهمات سينعكس سلبًا على تقييمه السنوي ومدى كفاءته في إدارة فريق العمل.
وأكد السليماني، أن الأداء والإنتاج هما الفيصل في تقييم الموظف والمدير على حد سواء، سواء في القطاع الخاص أو الحكومي، ما يجعل الوضوح في المهمات وأهداف العمل ضرورة ملحة لضمان النجاح.
حدّدوا المسؤوليات بدقة
مستشار الموارد البشرية الدكتور يوسف النملة، أكد أن الوصف الوظيفي يُعد أداة حيوية لتنظيم العمل وتوزيع المهمات داخل المؤسسات، سواء كانت حكومية أو خاصة أو غير ربحية، فالوصف الوظيفي يعمل على تحديد مسؤوليات كل موظف بشكل دقيق وواضح، ما يسهم في تعزيز الهيكل التنظيمي للجهة ويكتسب أهمية في المؤسسات المستقرة، اذ يتم تحديد مهمات الموظفين بدقة، مع ضرورة الاحتفاظ بقدر من المرونة لتكليف الموظفين بمهمات إضافية ضمن نطاق تخصصاتهم.
وأشار النملة إلى أن المؤسسات الناشئة أو الأقسام الجديدة في الجهات الحكومية قد لا تضع الوصف الوظيفي في أولوياتها، اذ يتطلب النجاح في تلك المرحلة تعاون الموظفين على القيام بمهمات متعددة في مجالات مختلفة.. هذا الأمر يُعد جزءًا من التحديات التي تواجه الشركات الناشئة، إذ يتطلب النجاح مرونة وتعاونًا من الجميع حتى تستقر الأعمال ويصبح بالإمكان تطبيق وصف وظيفي دقيق.
امتنع بهدوء وحكمة
حول توقيع الوصف الوظيفي، أوضح مستشار الموارد البشرية الدكتور يوسف النملة، أن بعض الجهات تعتمد على توقيع الموظف والمدير معًا على الوصف الوظيفي والمهمات المحددة، بينما في جهات أخرى يكتفي المدير بالتوقيع. وأضاف أن هذا التوقيع لا يحمل أثرًا قانونيًا مباشرًا، لكنه يُعد إثباتًا للالتزام من الطرفين، ما يعزز من احترام المهمات الوظيفية المحددة ويُضفي عليها طابع الجدية والهيبة.
وأشار النملة، إلى أن توقيع المدير أو مدير الموارد البشرية أو حتى الرئيس التنفيذي على الوصف الوظيفي يُعطيه وزنًا أكبر، فالقيام بمثل هذه الخطوة يجعل الموظف يدرك أن هذه المهمات تم اعتمادها ومناقشتها من قبل قيادة المؤسسة، ما يدفعه إلى التعامل معها بجدية أكبر. وأوضح أن الفرق بين أن يتسلم الموظف وصفًا وظيفيًا معتمدًا بتوقيع مديره، وبين أن يتلقى الوصف دون أي توقيع؛ واضح وكبير، إذ يشعر في الحالة الأولى بأهمية المهمات المكلف بها ويتعامل معها بجدية أكبر.
وفي ما يخص تكليف الموظفين بمهمات لا تليق بمستواهم الوظيفي، شدد الدكتور يوسف النملة، على ضرورة التمييز بين المؤسسات الناشئة وتلك المستقرة. ففي الشركات الناشئة أو الأقسام الجديدة، قد يتم تكليف الموظف بمهمات مختلفة ومتداخلة نظرًا لطبيعة بيئة العمل، لكن يجب أن تكون هذه المهمات ضمن نطاق تخصصه ومستواه الوظيفي. إذا شعر الموظف بأن المهمات التي يكلف بها لا تتناسب مع مستواه، فمن حقه الامتناع عن تنفيذها، ولكن يجب أن يتم ذلك بأسلوب مهذب ولبق.
الهدوء والرفق
مستشار الموارد البشرية الدكتور يوسف النملة، أضاف: من حق الموظف أن يرفض تنفيذ مهمات لا تليق بمستواه، مثل تكليفه بمهمات لا تتصل بتخصصه أو مهمات دون المستوى المطلوب. وأشار إلى أنه إذا طُلب من الموظف -على سبيل المثال- القيام بمهمات نظافة أو متابعة أعمال لا تتعلق بوظيفته، من حقه أن يرفض بأدب ويوضح استعداده لخدمة المؤسسة في إطار تخصصه ومستواه الوظيفي. ولفت إلى أن الطريقة الأمثل هي التعامل بأسلوب هادئ ورفق، بحيث لا يتسبب الامتناع في حدوث توتر أو نزاع بين الموظف ومديره. وشدد على أهمية التواصل المباشر والفعال بين الموظف ومديره لحل مثل هذه المواقف، مع التأكيد على أن الموظف يجب أن يظهر استعداده الدائم لتقديم أفضل ما لديه في مجاله، وفي الوقت ذاته يعتذر بلطف عن المهمات التي يراها غير ملائمة. وأشار إلى أن التعامل بذكاء اجتماعي وعاطفي يُعد عاملًا مهمًا في تجنب حدوث أي خلاف أو سوء فهم، ويعزز من علاقة الموظف بمديره. وأوضح الدكتور النملة، أن رفض المهمات غير الملائمة يجب أن يكون بناءً على تقدير صحيح للوضع الوظيفي، مع الالتزام باللباقة والاحترافية في التعامل.
هنا يجوز التصعيد
الإعلامي عبدالرحمن العشيوي، يؤكد أهمية أن تكون المهمات الوظيفية للموظفين محددة وواضحة، وأن يتم تكليفهم بها بشكل رسمي ومكتوب، بما يضمن حقوقهم ويحقق التقييم العادل لأدائهم، فالتكليفات الشفهية لا يمكن الاعتماد عليها لأنها تفتح الباب للغموض وسوء الفهم، فالموظف الذي يواجه تحديات مع مديره يجب أن يسعى إلى حل المشكلة من خلال التواصل الفعّال والبحث عن الحلول المناسبة مع الإدارة، وإذا استمر المدير في إظهار ضعف في توزيع المهمات وقيادة الفريق، فقد يصبح من الضروري تصعيد القضية عبر القنوات الرسمية. وفي حال فشل ذلك، يمكن التفكير في طرح الموضوع للرأي العام، إذا كانت المشكلة تؤثر سلبًا على الأداء العام للفريق والمؤسسة. إن قوة المدير تكمن في قدرته على تنظيم الفريق بشكل احترافي، وإذا فشل في هذا الأمر، فهو يضر بجميع أفراد الفريق ويعرقل سير العمل.
الإعلامية أميرة العمودي، ترى أن وضوح المهمات الوظيفية لكل موظف يعد عنصرًا أساسيًا لنجاح أي مؤسسة، سواء كانت حكومية أو خاصة. عندما تُحدد الأدوار بوضوح وتُوثق رسميًا، ينعكس ذلك إيجابًا على الأداء الفردي والجماعي، ويساهم في تعزيز الإنتاجية. أما غياب الوصف الوظيفي أو عدم تكليف الموظف بمسؤوليات محددة فيخلق حالة من الارتباك والتوتر، ويؤثر سلبًا على تحقيق الأهداف العامة للمنظمة، فالموظف بحاجة إلى معرفة ما هو مطلوب منه بشكل دقيق ليتمكن من تقديم أفضل ما لديه، ومن المهم أيضًا أن يكون هناك تواصل فعّال بين الموظف والمدير لضمان تحقيق العدالة في التقييمات السنوية.. أعتقد أن المؤسسات الناجحة هي تلك التي تهتم بتحديد المهمات وتوثيقها، لأنها بذلك تضمن بيئة عمل منظمة، وتحقق الرضى الوظيفي للجميع، ما يعزز من فرص التطور المهني والابتكار.
هيمنة دماغية
المستشارة الأسرية والاجتماعية دعاء زهران، تقول: يواجه العديد من الموظفين تحديات مهنية تؤثر بشكل كبير على تطورهم المهني ونجاحاتهم، ومن أبرز هذه التحديات، عدم وضوح المهمات الوظيفية المكلفين بها. إن عدم تحديد المهمات بشكل واضح يخلق حالة من التوتر والارتباك، خصوصاً لدى الموظفين الذين يتمتعون بهيمنة دماغية من النوع A أو B. لذا من الضروري لكل موظف أن يطالب بمعرفة مهماته الوظيفية بشكل دقيق من قبل إدارته، لضمان توجيه الجهود في الاتجاه الصحيح.. تحقيق هذا الوضوح يسهم في تحسين الأداء الوظيفي ويمنح الموظف فرصة للإبداع والابتكار في إطار ما هو مكلف به، ما ينعكس بشكل إيجابي على نجاحه وتطوره المهني.