وهكذا بات نتنياهو وحكومته اليمينية أمام خيارات كلها مرة ومؤلمة، وكان الارتباك هو سيد الموقف، خصوصاً أن الرئيس عاد وانتقد نتنياهو وشن هجوماً عليه في مقابلة لمجلة (تايم)، مؤكداً أنه يعمل على إطالة أمد الحرب من أجل حساباته السياسية ومصالحه الشخصية، ومن هنا فإن حكومة الحرب في وضع حرج، خصوصاً أنها لم تصدر بياناً واضحاً وصريحاً في شأن الموافقة على مقترحات بايدن، واكتفى مكتب نتنياهو بإعلان التمسك باستكمال الحرب.
وشدد مكتب نتنياهو على أن الحرب لن تنتهي إلا بعد تحقيق كامل أهدافها، مؤكداً أن المخطط الدقيق الذي عُرض من قبل إسرائيل بما في ذلك الانتقال المشروط من مرحلة إلى أخرى؛ يمكّنه من الحفاظ على هذه المبادئ.
وأشار المكتب إلى أن شروط إسرائيل لإنهاء الحرب لم تتغير؛ وهي عبارة عن تدمير قدرات (حماس) وإطلاق سراح الرهائن كافة، والضمان بأن غزة لن تشكل تهديداً على إسرائيل، وبموجب هذه المقترحات ستواصل إسرائيل الإصرار على استيفاء هذه الشروط، قبل أن يتم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، مبيناً أن الموافقة على وقف دائم لإطلاق النار قبل استيفاء هذه الشروط غير مقبولة.
في غضون ذلك، هدد الوزراء المتشددون بالانسحاب من حكومة الحرب وإسقاطها إذا وافقت على الصفقة وأوقفت الحرب في غزة، ما يجعل نتنياهو محاصراً في زاوية بين مقترحات الحليف الأكبر لإسرائيل، والمتشددين في الحكومة، وأطماع نتنياهو السياسية ذاتها.
ونقلت (القناة الـ12) الإسرائيلية عن حزب (عظمة يهودية)؛ الذي يتزعمه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، أنه لن يصوت مع الحكومة على موضوع الصفقة حتى يتم الكشف عن مقترحها. وعلى واقع تلك التصريحات يؤكد مسؤولون أمريكيون أن واشنطن تعتقد أن من غير المرجح أن تتمكن إسرائيل من تحقيق نصر كامل في حربها الحالية على قطاع غزة، كما أن نائبة وزير الخارجية الأمريكية كيرت كامبل استبعدت تحقيق نصر كامل لإسرائيل في قطاع غزة.
نتنياهو في ورطة
يرى مراقبون غربيون وإسرائيليون أن الرئيس الأمريكي وضع نتنياهو وبشكل مقصود في زاوية بإعلان مقترحاته أمام العالم، خصوصاً أن تلك المقترحات تباينت التصريحات لمسؤولين أمريكيين حول مصدرها، فمنهم من يقول إنها عصارة جهود رئيس المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، ورئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، طوال الفترة الماضية، وتمت بعد لقاءات وحوارات مع وفدَي إسرائيل و(حماس) كل على حدة، فيما يتحدث مسؤولون أمريكيون آخرون، بمن فيهم بايدن، بأنها مقترحات إسرائيلية.
لكن محللين غربيين يرون أن بايدن وضع طرفَي الصراع أمام الخيارات التي يتحدثون عنها، فتحدث عن نهاية الحرب بالنسبة لـ(حماس)، ووصف المرحلة الأولى من الصفقة بأنها مرحلة يمكن إعادتها إلى القتال بالنسبة لإسرائيل، وهو ما دفع وزيرَي الأمن والمالية بن غفير وسموتريتش بكل قوتهما للخروج ضد الصفقة ووضع نتنياهو في موقف محرج أمامهما، مع أن من الواضح أنها جيدة بالنسبة لإسرائيل في كل الجوانب الممكنة.
وأشار المحللون إلى أن بايدن أحرج نتنياهو بهذه المقترحات في ظل محاولاته التهرب من المقترحات السابقة التي كادت تكون هي النهاية للحرب وآخرها المقترحات المصرية.
في المقابل، عبّر مراقبون عرب عن تخوفهم من أن تكون هذه المقترحات فخاً أمريكياً جديداً لإطالة أمد التفاوض إلى حين انتهاء القوات الإسرائيلية من عدوانها على رفح وباقى أنحاء قطاع غزة، خصوصاً أن الخطة تظهر تضارباً في مواقف وتصريحات بايدن التي تقول إنها مقترحات إسرائيلية، وهناك أعضاء فى الحكومة الإسرائيلية لن يوافقوا على هذه الخطة ودعوة القيادة الإسرائيلية إلى دعم هذا الاتفاق رغم الضغوط المتوقعة، موضحين أن مقترحات التفاوض التي قدمها بايدن حملت مواضيع قد تمت مناقشتها من قبل وتم الانتهاء منها، لكن إسرائيل هي التي عطلتها، خصوصاً في المبادرة المصرية التي وافقت عليها (حماس).
إنقاذ نتنياهو
وجاء إعلان بايدن لمقترحاته بعد أيام من إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان عن تقديمه طلبات لإصدار أوامر قبض بحق ثلاثة من قيادات (حماس)، إضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع في حكومته كما أصدرت المحكمة قراراً بوقف العملية في رفح، وهو ما أثار عدداً من الأسئلة حول ما إذا كانت هذه المقترحات هدفها إنقاذ نتنياهو من ورطته، في ظل القرارات الدولية والتوجه لمعاقبته.
ويرى خبراء القانون الدولي والشؤون الأمريكية أن واشنطن يمكن أن توظف قضية محكمة العدل الدولية وأوامر القبض على مسؤولين إسرائيليين في حرب غزة للضغط على نتنياهو بالقبول بالمقترحات، خصوصاً أن انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي باتت واضحة وصريحة، وهناك جرائم إبادة معروضة على طاولة محكمة العدل الدولية.
وأشار الخبراء إلى أن بايدن بهذه المقترحات أراد أن يقول لنتنياهو يكفي حيلاً ومناورات وحروباً، الواقع ليس في صالحك والعزلة العالمية كل يوم تزداد على إسرائيل ومتشدديها الذين يواصلون الإصرار على ارتكاب الجرائم والمجازر بحق الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس، مؤكدين أن توقيت المقترحات وقرارات المحكمة الدولية لم يكن محض صدفة.
وذكر الخبراء أن الجمهور الإسرائيلي هو الآخر رحّب بالمقترحات الأمريكية، بل إن عائلات الأسرى أعلنت موقفها الصريح وأنها ستصعّد من احتجاجاتها للضغط على نتنياهو بالقبول بهذه المقترحات، وأن الحرب لا قيمة لها ولن تؤدي إلى إخراج أبنائهم بل قتلهم، ولذا لم يعد أمام نتنياهو أي حيل أخرى للمفر سوى القبول بهذه المقترحات ووقف الحرب، والدخول في عملية سلام تؤدي إلى حل الدولتين.
الأزمة السياسية الداخلية
شكلت الأزمة الداخلية في إسرائيل أكبر تهديد لنتنياهو ومخططه في المضي بالحرب، إضافة إلى تصعيد عائلات الأسرى؛ الذين جمعوا توقيعات لـ70 عضواً بالكنيست (البرلمان) يؤيدون وثيقة تطالب حكومة بنيامين نتنياهو بالموافقة على الصفقة الحالية لإطلاق سراح ذويهم.
وقالت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية «إن مجموعة شبابية من أهالي المحتجزين الإسرائيليين وصلت إلى مبنى الكنيست لإقناع نوابه بالتوقيع على وثيقة تطالب حكومة نتنياهو بالموافقة على الصفقة المطروحة على الطاولة لإطلاق سراح ذويهم، وتمكنت حتى الآن من جمع توقيعات 70 عضواً وهدفهم الحصول على توقيع 100 عضو من إجمالي 120».
وذكرت الصحيفة أن جميع نواب بعض الأحزاب وقعوا على الوثيقة ولم يبقَ إلا الأحزاب المتشددة، متهمين نتنياهو بعرقلة صفقة التبادل عمداً انطلاقاً من مصالح سياسية، وهو ما تتحدث به أيضاً المعارضة الإسرائيلية التي تصف الحكومة الحالية بأنها الفاشلة والأكثر فساداً.